((من مقالتك: "في المقابل نجد أن هناك (أمما) أخرى طال أمدها (قليلاً) لأنها حاولت التكيف ونجحت". السؤال الأهم: مانوع التكيف الذي كان سببا لبقائها؟ هل هو تنازلها عن معتقداتها الصحيحة؟ أم هل لأنها تركت معتقدها ولم تعتنق بعده معتقدا آخر تمشي بموجبه ومقتضاه؟ بمعنى أنها أصبحت بلاعقيدة ولا فكر ولا ثقافة ولا مبدأ إنساني وتخلت عن كل شيء لأجل أن يبقوا؟ أي أنها أصبحت تأكل وتشرب وتنكح لتعيش وتعيش لتشرب وتأكل وتنكح. أو بمعنى أخير هل رضوا بأن يعيشوا كالبهائم لكي يبقوا؟ فكر وأجب)). هذا رد كتبه أحد القراء كتعليق على المقال السابق الذي نشرته هنا في "الوطن" تحت عنوان: "هل ننجح في البقاء؟". كما تلاحظون، فقد طرح الأخ تساؤلاته وأجاب من عنده محتكماً إلى الظن فقط.

التغيير الذي تحدثت عنه في مقال الأسبوع الماضي لا يؤدي إلى الإنسلاخ من الدين أو التخلص من العادات والقيم العالية التي يتحلى بها المجتمع السعودي كما شكك القارئ. وبالمناسبة هناك الكثيرون أمثال الأخ ممن لا يرى في التغيير إلا الانسلاخ من الإسلام وتجد هؤلاء يشككون في أي أطروحات تنموية تأتي من هنا أو هناك وبعضهم يصعد حتى يجهز عليها ويدمرها.

هناك تغيير يتعلق بمراقبة الدولة للأمانة والنزاهة في تأدية المشاريع باعتبارها هي الأصل بحيث يتم التشهير بأي خائن لهذه الأمانة وبالاسم والصورة في جميع وسائل الإعلام بعد إدانته بالطبع. نحن لا نفعل ذلك وبالكاد تسمع عن قضية كهذه وكأننا مازلنا مجتمعا صغيرا يخشى الفضيحة. الأمانة تقتضي علينا كمجتمع أن نشهر بمن يتعدى على حقوق الناس وكرامتهم سواء أتى ذلك تحرشاً بامرأة أو عائلة أو ابتزازاً أو حتى اجتهاداً من مسؤول حكومي. إن التغيير يعني أيضاً فرض التنمية البشرية فرضاً وبكل الوسائل المتاحة بحيث تقف الدولة ضد كل من يحاول إعاقة هذا المسعى. الهدف هنا هو الارتقاء بدخل المواطن بحيث يتمكن من بناء منزله واقتناء سيارة وممارسة كاملة للحياة برعاية صحية اجتماعية حقوقية كاملة. من ذلك تطوير التعليم وصقل الحقوق وتطبيق قوانين الأحوال المدنية وتطوير القضاء والتشجيع على رفع الادعاءات القانونية الحقوقية ضد كل من يسعى إلى تعطيل هذا التوجه. هذا جزء من التغيير والمرونة اللازمة التي ستساعدنا على البقاء والتطلع إلى بناء هذه الدولة بما تقتضيه مصالحها العليا المستقبلية. ليس من الوطنية في شيء أن نضع أنفسنا في مواجهة تطوير السياحة مثلاً من بين العديد من التوجهات الأخرى. تطوير السياحة في المملكة ليس ترفاً أو بذخاً أو ديكورا. إنه بحول الله أمان للوظيفة ذلك أن هذا التطوير سيؤدي إلى خلق آلاف الفرص من الوظائف الجديدة التي نحتاجها والتي لا تتوفر اليوم. كما أن هذا القطاع المتطور سيعني المحافظة على الأموال بل واستيرادها من الخارج عوضاً عن تحويلها إلى الخارج كما هو حالنا اليوم.

ومن التغيير المنشود العمل على توزيع التنمية على مناطق الوطن. انتشار المراكز الحيوية الهامة تعليمية وصحية واجتماعية في مدن المملكة البعيدة يعني بناء إنسان تلك المدن وإشغال مواطنيها بالعمل والبناء والإبداع. خلافاً لعمل كهذا ستبقى مدننا الكبيرة فقط هي مركز الجذب وستفشل فيما بعد في استيعاب كل ما يطرأ من جديد ذلك أن لكل مدينة طاقة وحدودا لا يمكن تجاوزها.

لا نريد "جماعات احتسابية" غير معلن عن هويتها تخطط في الخفاء وتصادر مشاريع الدولة وخطط التنمية تحت دواعي الخوف من "الاختلاط" وكأننا في دولة لا تطبق الشرع الحنيف. هذا حدث في التعليم وحدث مع وزارة العمل. هذه الممارسات ستستمر في تعطيل أي فكرة بناءة بسبب فوبيا الاختلاط هذه وكأن وزراء الدولة أجانب لا مواطنون مسلمون. هذه الفوبيا ذهبت إلى أقصى حد عندما اقترح أحدهم هدم الحرم المكي الشريف كاملاً وإعادة بنائه على شكل أدوار متعددة ليأتي متوافقاً مع نظرته هو نحو الاختلاط. هل يعقل أن يصل بنا التهور والهوس إلى هذا الحد؟. كيف يمكننا كدولة وكقطاع خاص أن نضيء الطريق أمام أجيال الغد وظيفياً بما يكفل تحسن مستويات المعيشة ونحن نضع أنفسنا أسرى لهذه المفاهيم الخاطئة.

من التغيير أيضاً فرض التنمية الأفقية في المشاريع الحكومية. مما توصلت إليه مؤخراً اكتشفت أن شركة "سعودي أوجيه" على سبيل المثال وهي إحدى أهم الشركات التي تنفذ مشاريع تتجاوز قيمتها الإجمالية المئة مليار ريال لا تشتري شيئاً من تجار مواد البناء المحليين. عوضاً عن ذلك قامت هذه الشركة بتأسيس شركات شقيقة لها مهمتها تجميع مواد البناء من الخارج واستيرادها رأساً إلى مواقع المشاريع. مثل هذا العمل يضيق على مسار المال ولا يستفيد منه أحد غير المقاول. هل هذا هو جزاء سنمار؟ هل هذا هو رد الجميل على هذه الثقة التي منحتها الدولة لمثل هذه الشركة؟ أنا حقيقة أتساءل: ما الذي يمنع من فرض الشراء من السوق المحلية وإنعاش اقتصاد السوق داخلياً؟ هل هو توفير في أسعار السلع؟ أستبعد ذلك. لكنه الأنانية والجشع ونكران الجميل وقبل كل شيء عدم الشعور بالمسؤولية والسؤال والعقاب.

أخيراً لكنه ليس آخراً استثمار الفائض المالي السعودي في الخارج. المملكة لا تستثمر بأي شكل لافت في الفرص العالمية المتوفرة وخوصاً بعيد الركود الاقتصادي الذي مر على العالم قبل ثلاث سنوات. نحن نفتقر إلى الإدارة والإرادة اللازمة لنقص الفرص الكبيرة التي تتوفر عالمياً من وقت لآخر. سمعنا عن مشروع سنابل لكن لا أخبار تلت تأسيس هذا المشروع. الظاهر والله أعلم أننا سننتظر الأزمات القادمة بعد ثلاثين سنة لنتباهى مرة أخرى بأننا لم نخسر شيئاً لأننا أصلاً لم نستثمر شيئاً.

هذه نقاط محددة أتيت عليها بسرعة وهناك الكثير من التوجهات التي لم يتسع لها المقال وقد نتمكن من العودة إليها مستقبلاً. المهم أن توفر المرونة وتحديث القوانين المواكبة للعصر والمتوافقة مع احتياجات الناس يعنيان التغيير للأفضل وهذا هو ما نحتاج إليه. من أهم الشروط لحدوث مثل هذا التغيير هو وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.

الوطن يزخر بالقدرات العقلية المجربة والناجحة في مجالها وعلينا أن نستغلها ونضع المناسب منها في وزارات الدولة المعنية بتقديم الخدمات للمواطنين قبل فوات الأوان. وكما قيل الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.