الحمد لله على قضائه وقدره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن وشر النفاثات في العقد وحاسد إذا حسد، أما بعد فلست بواعظ ولكنني متعظ متألم لما حلّ بأهلنا في (جدة) الغالية وإخواننا بـ (مصر وتونس واليمن) وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، ونسأل الله تعالى للجميع السلامة والاطمئنان. نحن بهذه البلاد الطاهرة لسنا استثناءً من بقية العالم أرضاً وبشراً ولكننا بفضل الله ثم المقدسات التي شُرفنا بمجاورتها والصدقات والهبات التي نقدمها حكومةً وشعباً للمنكوبين دون منّ ولا أذى قد حمانا الله من الحوائج والنكبات التي شاهدناها بأقصى الأرض وأدناها على شكل براكين وزلازل وطوفانات لا تُبقي ولا تذر. وإذا كنا قد صُدمنا لسيول (جدة) فإنما هي ابتلاء لنا لنبادر لعلاج ما فسد وتلافي ما قد يحدث ومحاسبة المتسبب أيّاً كان موقعه. إن الإصلاح بالأسلوب السلمي الناصح الجاد ممكن إذا صلحت النوايا وحسنت المقاصد وتواصينا بالحق والصبر، أما اللجوء إلى العنف والحقد وركوب موجات النفوس المريضة والأهواء المنحرفة فإنه لا يأتي إلا بالخراب والدمار والسلب والنهب وسفك الدماء. لقد عانى الآباء والأجداد مع إمامهم الملك المؤسس (عبدالعزيز) من الأهوال ما الله به عليم، ولم تستقم لهم الأمور إلا بعد جهاد طويل استمر لعدة عقود وبعد معاناة لا أول لها ولا آخر.. حتى حقق الله تعالى الوحدة والوئام للأمة وتفجرت الأرض بالذهب الأسود والكنوز التي لا حصر لها ليبلونا ربنا هل نشكر أم نكفر.. وهل نحافظ على ما أنعم به علينا وتفضل.
وها نحن نرفل بأثواب العز والكرامة والأمن والاستقرار، والواجب علينا بكل آن وحين أن نترحم على من أسس بنيان الصرح الكبير.. ونعضّ على المعطيات الجليلة بالنواجذ.. وأن يجند كل منا نفسه حارساً أميناً لكل هذه المكتسبات.. وأن نأخذ العبرة بما حصل لغيرنا من إهلاك الحرث والنسل وإحراق الأخضر واليابس.
كان بالإمكان تلافي ذلك كله بالأناة والحكمة وتحكيم العقل دون الاندفاع مع دعاة الإرهاب الخارجين عن الجماعة، عملاً بقول الله جل وشأنه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) .. هدانا الله لما هو أقوم.. وأصلح أحوالنا في الحال والمآل.