هل تدشن وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عصر تجارة مركبات الفضاء ؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد أن أعلنت "ناسا" عن خطة مستقبلية للتخلص من عدد من مركبات الفضاء التي خاضت مهمات حيوية خلال السنوات الماضية. وقد طرحت "ناسا" احتمال بيع مركبات الفضاء الـ"مكوك"إلى أي جهة أو فرد يرغب في ذلك بتكلفة 28.8 مليون دولار وهي ما اعتبرتها تكلفة مخفضة .ورجحت أن تكون متاحف العلوم والمتاحف الطبيعية في مقدمة المشترين حيث سيتم استغلالها للعرض والأغراض السياحية والترفيهية . ومن المنتظر أن يتم بيع المركبات بعد تخليصها من أي مواد ضارة أو سامة تكون قد علقت بها . كما أشارت "ناسا" إلى أن عملية البيع لن تشمل "الموتور" وأجزاء أخرى تقنية من "المكوك" حيث ستتم الاستفادة منها عبر طرق أخرى .

ويستعد مكوك الفضاء الشهير "أتلانتس" حالياً ليكون الأول في خطة الإحالة للتقاعد بعد أداء 32 مهمة وقطع 190 مليون كيلومتر، تاركاً خلفه إرثا ملموسا يمتد عبر سباق الفضاء ويعود إلى أصول الكون.

وخلال رحلته الأخيرة التي انتهت أول من أمس قام "أتلانتس" بنقل كبسولة أبحاث روسية باسم "راسفيت" أو الفجر إلى محطة الفضاء الدولية. وقد لعب برنامج المكوك دورا رئيسيا في بناء المحطة الدولية الحقيقية، بأجزاء من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وكندا واليابان. وساعد "أتلانتس" نفسه في بدء التعاون الدولي بعد عقود من المنافسة في سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. وفي عام 1995، كان "أتلانتس" أول مكوك فضاء يلتحم بمحطة الفضاء الروسية "مير"، وهي لفتة أوضحت بعد سنوات قليلة من سقوط الستار الحديدي مدى التقدم الذي تحقق على صعيد العلاقات والتعاون في مجال الفضاء. وعلى مدار خمسة أيام أجرى طاقم مشترك من الولايات المتحدة وروسيا تجارب صحية في الفضاء ونقل إمدادات لمحطة الفضاء الدولية. وكانت هذه المرة الأولى التي يقوم فيها مكوك فضاء بإعادة رواد فضاء إلى الأرض بعد مهمة طويلة في الفضاء، حيث أعاد ثلاثة رواد فضاء روس بعد أن أمضوا أكثر من 100 يوم في الفضاء. ولعب "أتلانتس" دورا في العديد من التطورات غير المسبوقة في علم الفلك على مدى العقود الأخيرة، بإطلاق المسبار "جاليليو" إلى كوكب المشتري والمسبار "ماجلان" إلى كوكب الزهرة في عام 1989. ونجح "جاليليو" خلال مهمته التي استمرت حوالي 14 عاما في اكتشاف وجود محيط محتمل في أحد أقمار كوكب المشتري، ولاحظ نشاطا بركانيا على سطح قمر آخر. وقام "ماجلان" بمهمة لمدة خمس سنوات إلى كوكب الزهرة، حيث قام برسم خرائط تفصيلية لسطح الكوكب.

وقام المكوك "أتلانتس" في وقت لاحق بآخر مهام الصيانة لتلسكوب الفضاء "هابل" في العام الماضي، حيث نفذت سلسلة من جولات ماراثونية للسير في الفضاء لإصلاح التلسكوب، الذي ظل عبارة عن قطعة خردة حتى مهمة إصلاح "أتلانتس". وتم خلال المهمة تثبيت معدات جديدة وإصلاح المعدات الموجودة بالفعل لتمديد عمر التلسكوب حتى عام 2014 على الأقل، وربما ما بعده. وكانت عملية بناء المكوك "أتلانتس"­ الذي حمل اسم سفينة أبحاث علمية رائدة­ قد بدأ قبل 30 عاما.

ووصل المكوك إلى مركز كينيدي للفضاء عام1985، وقام بأول رحلة له فى 3 أكتوبر من ذلك العام. وكان "أتلانتس" رابع مكوك يصمم للسفر إلى الفضاء، وبحلول وقت بنائه قللت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وزن المركبة واختصرت الوقت اللازم لصناعتها. واقترح في عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بناء سلسلة من المركبات التي يعاد استخدامها لنقل رواد الفضاء بشكل منتظم وتكلفة بسيطة إلى الفضاء، إلا أن المكوك لم يعمل مطلقا بانتظام أو بتكلفة بسيطة كما كان يتصور المسئولون في البداية. وتتكلف كل رحلة نحو 450 مليون دولار بالإضافة إلى شهور من الإصلاح بعد كل رحلة لإعادة المكوك إلى الحالة المناسبة ثانية. وكانت قضية السلامة مصدر قلق مستمر، مع مقتل 14 من رواد الفضاء في حادثين منفصلين على مكوكين آخرين. ولهذا السبب وأيضا بسبب عمر المكوك، بحثت "ناسا" لأول مرة إحالة "أتلانتس" للتقاعد منذ سنوات، لكنها قررت أن تبقيه في العمل إلى أن تتم إحالة الأسطول بالكامل للتقاعد بعد استكمال الأعمال الجارية في محطة الفضاء الدولية. وهناك مهمتان إضافيتان فقط لمكوكي الفضاء "إنديفور"و"ديسكفري" تخطط لهما "ناسا" قبل إنهاء خدمتهما أيضا، ومن المقرر القيام بآخر رحلة في نوفمبر المقبل .

وبذلك يتبقى لكل مكوك مهمة واحدة ­ على الرغم من أن المكوك "أتلانتس" يمكن أن يصنع التاريخ مجددا بعد هذه الرحلة حيث ستعمل ناسا على إعداده لمهمة إنقاذ محتملة إذا سارت الأمور بشكل خاطئ مع آخر الرحلات الفضائية المقررة.