وكمجرد قارئ آخر لخريطة جائزة الرمز القيادي الإسلامي الفيصل – يرحمه الله - بعد قراءة عروبيّة للزميل القدير علي الموسى وجدت سنينَ عديدة باتت فيها مدارسنا الإسلامية بجامعاتها المتعددة المتخصصة وعلمائنا ومفكرينا غائبة ليس عن فروع الجائزة عامةً، بل في فرع الدراسات الإسلامية حصراً!!

الجائزة في نفس الفرع حجبت عشر مرات في تاريخها عن غربال حقائق أمتنا وهي غارقة في تشنج بين تياراتها وعلمائها لتعكس حالها في جميع أرجاء العالم وشتى المجالات ! وها هي تذهب فخراً إلى مفكر إسلامي تركي أخيراً.

وعندما كانت الجائزة بالطبع ليست حصراً على علمائنا أو (خصوصياتنا) بل على مستوى المعمورة ومليارات المسلمين مثلما أن الإسلام ومذاهبه ليس حكراً علينا أو على علمائنا لكنه سؤال حائر يبقى، ماذا تبقى لنا كسعوديين.. حتى في ديننا لم نفلح ! فمتى وبماذا سنفلح ونحن خاسرون كل شيء حتى على أرضنا وفي عقر دارنا؟

تجلت الجائزة وأهدافها للعمل على خدمة الإسلام والمسلمين في مجالات فكرية وعلمية وعملية لتحقيق النفع العام للمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، والتقدم بهم نحو ميادين الحضارة للمشاركة فيها بتأصيلٍ للمُثُل والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم وإسهاماً في تَقَدُّم البشرية وإثراء الفكر الإنساني. فهذه الجائزة العربية السعودية تعد امتداداً للبعد ( الفيصلي ) حضاريًا وإسلامياً يفخر به كل عربي ومسلم ولكن الجائزة أسفاً حجبت كثيراً عن علماء السعودية وعلمائها وباحثيها المنتظر منهم الكثير في فرعٍ هو إرهاصاتنا وكينونتنا يثبت أصالةً أننا متوقفون, أننا متقوقعون وأن ثقافتنا الإسلامية تعاني الكثير منا، فشكراً لحقائق جائزة الفيصل التي عرت حالنا وإن كنا لا نحتاج دليلاً !

قد يأتي من يبرر ذلك غرقاً في (نظرية المؤامرة) ويجعل لجنة التحكيم شماعة للخروج من النهائي ولكن عليه أن يسأل جائزة نوبل كيف منحت ثلاثة من فائزيها بعدما حصلوا على وسام جائزة الملك فيصل قبلاً ! فقد انعكس على مكانة الجائزة وتحقيق أهدافها وخارطتها في تطبيق نظامها القائم حياداً، فمنحت الجوائز لمستحقيها الذين يعلن فوزهم قبل ذلك بأشهر.

السعوديون لم يحصلوا على الجائزة سنين عديدة ولم يقدموا ما يستحق ويشفع في ظل مقياس الدين وأساسه وصلبه لدى الكثير الذي انحصر مؤخراً صراعاً في قضايا الحجاب وقيادة المرأة والاختلاط ومعاداة الآخر وتركنا الدراسات الإسلامية ومواكبتها للتعايش الإنساني وفقه الواقع ..!

ديننا عظيم، ختم الأديان وكملَّها، دين عصري لكل زمان ومكان، ولكن أين علماؤنا الراسخون مكانة وعلماً في منهجة الخطاب الإسلامي ومجاراته للزمان والمكان في وقت تعددت فيه الشبهات والفتن وتحديات العصر في تحسين صورة المسلمين بكيف نعيش حياتنا كريمة منبثقة من أخلاق محمد عليه الصلاة و السلام وإتمامه لمكارم الأخلاق ؟ وكيف يكون الاستخلاف في الأرض وإعمار الفكر والعقل وصناعة الحياة وتنمية البشر تحليلاً وبحثاً وإظهار حقيقته بمحاربة الفكر الضال والإرهاب ومنابر المناحلات المذهبية والطائفية مازالت تحريضاً وعداوةً بشهادة بعضٍ خطابنا حتى اليوم ولغة حوارنا مازالت بمعادلات أحادية لا حدود لها !

فلِمَ لم تستطع لغة بحثنا الإسلامي ومناهجنا أن توقف التفجير والتكفير والطائفية ودوائر التصنيف الفكري أم إنها تظل تعكس حال الأمة الإسلامية المتقوقعة بالهزيمة..؟

ولِمَ لم تستطع مناهجنا الدراسية (الكمية) في التعليم العام أو العالي المتخصص تعديل مسار السلوك الإنساني في ظل معطيات متزايدة نحو العنصرية والقبلية والمناطقية وحقوق الإنسان وحفظ المال العام والحفاظ على ممتلكات الوطن .. ؟ فماذا سنقول لأطفالنا الآن وغداً ؟ وإلى أين ذهبت مخرجات تعليمهم ؟

ومباشرة بالتساؤل والخوف والريبة أيضاً إلى علمائنا ومفكرينا عندما ننتقل لأغلب الجوائز في الفروع الأخرى والتي حققت فيها الجنسيات الغربية السبق والنصيب الأكبر وهم من جميع الديانات، فهل سنستنكر أو نغضب عندما يفوز يوماً ما بفرع الدراسات الإسلامية غير مسلم، ممن لم يتوانوا عن البحث وصناعة الحياة !؟

لست محباً للتصنيفات القائمة والتي ذهب بها عنوان مقالي، ولست مع تصنيف الدين إقليمياً أو عروبياً أو عالمياً، فدين الله الإسلام، ولكنها قلب أمنياتنا أن يكون الحصاد من مجتمعنا الإسلامي لنصدره للإنسانية فقط بدعم علمائه علمياً وعملياً وحتمية نتاجهم الفكري لإرضاعه للأجيال وللعالم بأسره، تلك مسؤوليتنا جميعاً أمام الله.