القدوم إلى القصر الرئاسي على ظهر دبابة تزيح ما أمامها من متاريس لتمسك بزمام الحكم عبر بيان عسكري يتلوه القائد بوجه متجهم عبوس عبر شاشة التلفزة الرسمية والوحيدة، زمن ولى تاريخه في الألفية الثانية، لكن رياح التغيير لم تذهب أو تمت، وهي باقية في القرن الجديد عبر مفهوم حديث على المنطقة اسمه التعبير الديموقراطي في الشارع بالنزول الجماعي للشعب، تعبير مارسته الدول الأوربية في بداية تحولها نحو الديموقراطية وتمارسه تونس ومصر عبر تحولهما للممارسة الديموقراطية الجديدة.

ففي منتصف العقد الأول من الألفية الثانية شهد العالم ثورات شعبية غيرت مسار وتاريخ دول في شرق أوروبا ومن ثم المعادلة الدولية في موازين القوى العظمى! فكانت الثورة البرتقالية في أوكرانيا وثورة الورود الحمراء في جورجيا، واليوم وفي بداية العقد الثاني من الألفية الثانية تجتاح المنطقة العربية ثورات الفيس بوك وتويتر ويوتيوب والتي يقودها شباب ليس له أي انتماء سياسي وإنما يبحث عن حياة حرة وكريمة وفرص عمل للشباب الجامعي وتحرير البلد من قبضة الحزب الواحد والرجل الواحد، التغيير مطلب مشروع لأي إنسان لا يجد متطلباته الأساسية في النظام الذي يحكمه.

فالأنظمة الجمهورية في العالم العربي اسم بدون مسمى، وهي أشبه بالحكومات العسكرية المقنعة التي تحكم الناس باسم الديموقراطية وهي في أقصى مراحل الدكتاتورية وباسم الحرية وهي في أشد أنواع الكبت!

وهي ليست المرة الأولى التي يشهد فيها العالم العربي ثورات، لكنها في السابق كانت ثورات للبسطاء من أجل رغيف الخبز والسكر كما حدث في السبعينات، أما اليوم فهي ثورات من أجل القضاء على البطالة الجامعية لشباب أفنوا أعمارهم في التعلم ليبقوا بعد ذلك حبيسين لبيوتهم بسبب البطالة التي ليس لها مبرر مقنع في كثير من الأحيان.

البنك الدولي في موقعه الرسمي يقول: (إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد أعلى معدلات البطالة بين الشباب على مستوى العالم ورغم وجود تباين كبير بين بلدان المنطقة إلا أن معدلات البطالة بين الشباب مرتفعة). وبحسب الموقع نفسه فإن نسبة البطالة في العالم العربي هي الأعلى في العالم إذ تبلغ ما يقارب 25% من سكان العالم.

في الأصل أن وجود الشباب بأعداد كبيرة ضمن مقومات النهوض والتنمية في أي أمة ونافذة المستقبل التي يجب الاستثمار من خلالها، لكن الواقع اليوم في بعض بلدان العالم العربي هو أن هذه الفئة لا تحضى بالدعم الذي يتوافق مع أهميتها وتأثيرها وهو ما نشهده على أرض الواقع في مصر وتونس وربما غدا في دول أخرى ليست بعيدة وبقدر تأثير الشباب الإيجابي على وطنه يكون تأثيره السلبي.

فمنطقة الشرق الأوسط تعيش اليوم حالة استثنائية منذ ثورة الياسمين في تونس التي حركت الشباب العاطل عن العمل ومن ثم الشارع التونسي والثورة في مصر، وفي حالة نجاح الأخيرة في تحقيق السقف الأعلى لمطالبها فإن انعكساتها لن تكون خفية على باقي الأنظمة الجمهورية في المنطقة.

والأحداث السريعة في مصر لا تجعل للكاتب الأسبوعي مجالا لاستشراف المستقبل، لكن من الواضح إلى لحظة كتابتي لهذا المقال أن الفجوة كبيرة وضخمة بين الأنظمة الجمهورية الحاكمة وبين الشعوب، وذلك من خلال البطء الشديد في الاستجابة لمطالبها والحديث معها بشفافية مطلقة وهو ما لم يحدث في تونس ودفع ثمنه زين العابدين بن علي وحزبه الحاكم، ولا في مصر.

ومن المعلوم أن العالم العربي يعيش اليوم وفق نظامين مختلفين: الأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية، ولا شك أن الاستقرار في الأنظمة الملكية أكثر منه في الجمهورية لسبب رئيسي وهو وضوح ملامح الحكم السياسي في هذه الدول، بخلاف الأنظمة الجمهورية التي سلبت إرادة الشعب وخطفت حقوقة السياسية من خلال احتكار السلطة وتوريثها بالتطاول على الدستور والعبث به.

ففي دول الخليج العربي والأردن والمغرب نرى هناك نوعا من الاستقرار السياسي والتجديد وإن انخفض مستوى المشاركة الشعبية لديها، لكن الخطر الذي حرك تونس ومصر ليس بعيدا عن هذه الدول ألا وهو البطالة التي تشكل قنبلة موقوتة لدى أي نظام في العالم.

إن الدخول الغريب لأحداث العام 2011م على المنطقة العربية بأحداثه الماراثونية يجعلني أتوقع أن هذا العقد من الألفية لن يمر دون تغيير ملامح القوى في العالم الجديد اليوم وربما تسارع دول كبرى إلى تنفيذ مبادرات واتفاقيات كانت معلقة وتطالب بالمزيد من التنازلات، لكن مشهد الجماهير الغاضبة في تونس ومصر لن يغيب على دول كبرى تسعى لاستقرار مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.