الاستقالة التي تقدم بها وزير الثقافة المصري الجديد الدكتور جابر عصفور، من منصبه الذي شغله لمدة عشرة أيام فقط، من 31 يناير الماضي إلى التاسع من فبراير الجاري، لم تكن مفاجئة على الإطلاق. فمنذ تولي الرجل وزارة الثقافة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر خلفاً للوزير السابق فاروق حسني، وسهام الانتقاد العنيف - من كل حدب وصوب – تصيب كبرياء الرجل!.
عصفور من خلال طروحاته الفكرية والنقدية على مدى أكثر من خمسين عاماً أثرى فيها المكتبة العربية بـ26 كتاباً أدبياً، وخمسة كتب مترجمة، و78 بحثاً منشوراً، بعضها ترجم إلى لغات عالمية، استحق عنها جائزة الإبداع من مؤسسة الفكر العربي العام الماضي، كان مؤهلاً لقيادة وزارة الثقافة المصرية منذ أعوام، ونادى به المثقفون والأدباء المصريون كثيراً، لكن نداءاتهم ظلت دائماً مجرد (ثرثرة) و(لغو) و(دردشات) لا تستطيع أن تحرك فاروق حسني من موقعه قيد أنملة!.
وأخيراً تولى جابر عصفور الوزارة، لكن العجيب أن كل الأصوات التي نادت به من قبل لهذا المنصب، كانت هي الأشد استنكاراً لموافقته!. ولم يقتصر الأمر على المثقفين والأدباء المصريين باعتباره شأناً مصرياً خاصاً، فرأينا العديد من المثقفين والأدباء العرب يصدرون العديد من البيانات التي تستنكر على عصفور أن يرفرف أو يحلق في فضاء لا يرونه صالحاً لقيمته!.
ترى هل أصابت سهام الانتقاد جناح عصفور فلم يعد قادراً على التحليق في سماء الثقافة المصرية، خاصة في ظل المناخ الملتهب بثورة المصريين؟!.. ربما!.
المؤكد أن شعوراً بالارتياح من جانب المثقفين المصريين والعرب – أو قل معظمهم - قد سرى في قلوبهم وهم يستمعون إلى خبر استقالة عصفور، بعيداً عن مبررات الاستقالة التي انحصرت إعلامياً في (مرض) الرجل!.
والمؤكد أيضاً أنهم ينتظرون أن يتولى عصفور الثقافة المصرية، ولكن في زمن آخر، ومناخ آخر، يتواكب مع تطلعاتهم وطموحاتهم، وهنا نتساءل: هل ستظل الثقافة المصرية بلا قائد حتى يجيء هذا الزمن، أم سيهل علينا في القريب العاجل وزير آخر، ربما لا تطاله سهام الانتقاد، لأنه بالتأكيد لن يكون (عصفوراً)؟!.
الأيام وحدها هي التي ستكشف الحالة الثقافية المصرية، ومدى استعدادها لقبول اسم آخر يتولى الوزارة في هذه الظروف التي قد تتبدل هي الأخرى، ولكن لا أحد يستطيع الجزم في أي اتجاه ستسوق الريح مركب المستقبل!.