حين وقف (صارم) محتشدا بصمت الدنيا، انتظارا لما سينهال عليه من أسواط بعد حكم بجلده خمسة عشر ألف جلدة، كان ناصر الصرامي ينهي روايته (طريق الزيت)، وكنت أنا أطلق على العمل (رواية تسجيلية بامتياز)، حيث الخيال الدرامي محدود بما هو واقعي ومعيش.
لجأ الصرامي إلى إعادة صياغة ما رصدته أطنان من المقالات والدراسات والبحوث، التي غدت ما بين راكضة ومهرولة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 لاستجلاء الواقع، ومعرفة من أين جاء أولئك الذين شكلوا الرقم الأكثر من بين تسعة عشر انتحاريا وجهت إليهم تهمة ضرب برجي التجارة.
تسابق البحاثة والصحفيون والكتاب، وتخلف السينمائيون لأسباب يعرفها الكثيرون، ويخمنها البعض. شرعت كل الأبواب، حتى بدونا للحظة وكأننا صندوق بندورا.
يسجل الصرامي كل هذا بلغة لم تخل من تقريرية في أجزاء منها ما أوقع العمل فيما يسميه النقد (ترهلا فنيا) وهذا مبرر لأي كاتب في تجربته الأولى ولم ينج منها إلا كتاب بالصدف من ذوي المواهب الاستثنائية وعادة أمثال هؤلاء ينضجون بهدوء تام بعيدا عن الضجيج الإعلامي. ولأن هذا ليس حديثنا الآن/ هنا، أقول: بعد أن استحضرت التسمية، من أقاصي اللاوعي، نهضت، أقلب في مكتبتي الصغيرة، عالمي الأثير الذي ينسيني قبح العالم، باحثا عن مرجع يضيئني علميا. تذكرت معلميّ الكبيرين اللذين افتقدتهما بشدة (محمد الثبيتي، عبدالله باهيثم) رحمهما الله، وفايز أبا، إذ كانوا لي طيلة مشواري مع المعرفة (بمثابة جوجل). فالثبيتي ثقافة واعية وعميقة في التراث، وكذلك فايز الذي يبز الثبيتي في إلمامه بالثقافة الغربية. وكثيرا ما شهدت حوارات معرفية تدور بينهما في منتهى التواضع والأدب والجمال، وأنا أصغي وأتعلم. كنت ألجأ إليهما ليرشداني إلى عناوين مراجع وكتب أبحث فيها عن معلومة ما، فكان الحب يسمو في عونهما، وما أجمل الحب حين يكوّنه شغف بالمعرفة وركض خلف الجمال بكل تفريعاته. ولسفر فايز واستغراقه في النيل علَه يغسل أوجاعه، ألجأ إلى النعمة الكبرى (جوجل)، تعثرت بموقع يطلق على نفسه (أكبر موقع إرشادي)، دخلته فقمت من عثرتي حين صافحت عيناي "شعرية الرواية التسجيلية العربية "أطروحة جامعية أراد كاتبها أن يساهم بنشرها من خلال موقع بيتنا". لم أتوقف كثيرا عند محاولة البحث عن اسم صاحب الدراسة، لم أهتم كثيرا بغمط الحقوق الفكرية عربيا، غير أني تبسمت بدهشة طفل أكوِّنه دائما في محاريب المعرفة وأنا أقرأ (الرواية التسجيلية، بنية معرفية عقلية، يجري تأطيرها جماليا ضمن بنية روائية أشمل، غايتها الإمتاع الفني والجمالي وتحقيق البعد الشعري المتضمن للتوثيقي والحدثي عبر المواءمة بين التأريخي والروائي). هذا بالضبط ما أوصلتني إليه (طريق الزيت).