الأسبوع الماضي قلت: إن عزل بعض الناس عن بقية الناس يجعلهم ـ ربما ـ يشعرون بأنهم مواطنون من نوع آخر.. يحق لهم ما لا يحق لغيرهم.. وإن صالات الانتظار الخاصة والنوافذ الخاصة والخدمات الصحية الخاصة ـ والكثير مما في حكمها ـ عززت هذا الشعور.. وأكدت في خلاصة مقالي أن هذه الامتيازات التي يحظى بها بعض الناس دون البقية، ينبغي أن تصبح في عداد الماضي.. الوطن للجميع وليس هناك مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية..
كنت أدرك تماما أن لهذه السلبيات إفرازات متوقعة.. ستتحول يوماً ما إلى أورام يصعب استئصالها أو الشفاء منها..
أمس استوقفني ما نشرته "صحيفة سبق الإلكترونية" أن إحدى رحلات الخطوط السعودية شهدت خلال هذا الأسبوع حادثة غريبة، تمثلت في مشادة بين مضيف الطائرة وإحدى الراكبات التي رفضت التقيد بالنظام داخل الطائرة، حيث تلفظت الراكبة بألفاظ سيئة، وأشارت إلى أنها "شخصية مهمة" ولن تطبّق النظام!
هنا المشكلة.. قدمنا خدمات خاصة لهؤلاء.. منحناهم امتيازات خاصة.. فغرسنا في نفوسهم ـ دون أن نشعر ـ أنهم مواطنون من نوع آخر.. أهميتهم تختلف عن المواطن العادي.. يحق لهم في الوطن ما لا يحق لغيرهم.. وها نحن ندفع ثمن ما صنعته أيدينا.. أوَ لسنا نحن من صنع هذه الشخصيات؟!
يروي لي أحدهم أنه قابل ومجموعة من أصدقائه، أحد الدعاة المشهورين.. يقول والله إنه بالكاد يصافحنا، وهو لا ينظر إلى وجوهنا!
قلت له: أنتم من صنع هؤلاء.. هذا حصاد ما زرعتم.. المجتمع هو من يضفي على بعض أفراده ـ على اختلاف مراكزها ومواقعها ـ هالة من القداسة.. نكذب الكذبة ونصدقها.. وندفع ثمنها في النهاية..
تلك الفتاة لم تكن لتتصور أنها شخصية مهمة يحق لها كسر النظام لو لم تجد من يفتح لها الأبواب المغلقة.. لو لم تجد من يقدم لها خدمة مختلفة عن تلك التي يحصل عليها بقية المواطنين..
أخشى أن تتراكم الفواتير ويصبح من الصعب سدادها في يوم من الأيام.. والمثل يقول: "إذا فات الفوت ما ينفع الصوت".