المتتبع لوضع شوارعنا في المخططات الحديثة يجدها لا تختلف كثيراً عن حالها في المخططات القديمة، ومع أن كثيراً من هذه الشوارع تم تخطيطها في أوقات سابقة، ولم يكن لها مجال للتوسع المستقبلي، ومع زيادة عدد المركبات المستخدمة لهذه الشوارع أصبحت ضيقة جداً، وبالإضافة إلى الحجم غير المناسب لهذه الشوارع فإن تنفيذها سيء منذ البداية حيث إن تسويتها قبل السفلتة لا تصل إلى الحد الأدنى للمواصفات، كما أن السفلتة تقوم بها مؤسسات غير مؤهلة، فطبقة الأسفلت خفيفة في أغلب شوارعنا، ونوعية، ومواصفات الأسفلت غير جيدة، ولا تتحمل الظروف المناخية، ولا الاستخدام المكثف من المركبات، حتى إن بعض المشروعات الخاصة بالسفلتة تحتاج إلى صيانة بعد الانتهاء منها مباشرة، وقبل تسليمها للجهة المسؤولة عنها، وهذا مجمل لما تعانيه شوارعنا في أثناء التخطيط والتنفيذ.
وتعاني شوارعنا من المشروعات الخدمية بشكل كبير، فهي تعاني من عمل حفريات لتوصيل الكيابل الخاصة بالإنارة لهذه الشوارع، وتتم هذه الحفريات بشكل عشوائي، ويتم دفنها، وسفلتتها بطرق بدائية، وغير منظمة، وبعد ذلك تقوم شركات الهاتف بالحفر للتمديد لتوصيل خدمات الهاتف لهذه المخططات، ولا تختلف عمليات الردم والسفلتة عنها في الحفريات السابقة الخاصة بالإنارة، وما إن تنتهي شركات الهاتف من مشروعاتها حتى تبدأ شركات الصرف الصحي بالقيام بالحفريات المزعجة للشوارع ولساكنيها، وتستمر لفترات طويلة قبل إنجازها، ولنا أن نتصور كيف يتم دفن هذه الحفريات العميقة بدون استخدام الآليات المناسبة للردم والضغط على التربة في هذه الحفريات؛ فالسفلتة غير مناسبة، وتتم بطبقة خفيفة، وينفذها أفراد لا ينتمون لمؤسسات متخصصة في هذا المجال، وبشكل غير موافق للمواصفات، وبعد أسابيع قليلة تهبط هذه الحفريات من جديد وتسبب مشكلات في هذه الشوارع، وتعمل على تشويهها، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل تبدأ الشركات الموكل لها توصيل شبكات المياه للمنازل بمشروعاتها من خلال عمل الحفريات، والتمديدات، والدفن، والسفلتة، وكل هذه الإجراءات تتم كسابقاتها، وبعيداً عن إشراف الجهة المسؤولة عن هذه المشروعات، وهنا أنا لست ضد هذه المشروعات الخدمية الحيوية، ولكن أنا غير متفق مع كيفية تنفيذها، أو الإشراف عليها من الجهات المختصة.
وبذلك فالشارع الواحد قد يتعرض للحفر خمس مرات على الأقل، ولنا أن نتصور كيف سيكون حاله بعد مروره بهذه العمليات الجراحية المتتالية، والتي تعقبها عمليات ترقيعية بهدف التجميل، وهي في الواقع تعمل على تشويه منظر هذه الشوارع لا تحسينها، وتجعلها مليئة بالحفر، والمطبات، والتشققات، وهنا أرى أن هذه الحفريات المتعددة بالإمكان جعلها في حفرة واحدة خاصة في المخططات القائمة فعلياً بحيث يكون مجرى الصرف الصحي في أسفل هذه الحفرة، ويتبعه بعض الخدمات الأخرى بالعمق الذي يناسب هذه الخدمات وتوكل عملية السفلتة والدفن لشركات متخصصة وفق معايير ومواصفات محددة، وتتم متابعة ذلك من قبل الجهات المسؤولة عن المشروعات في الأمانات، والبلديات، وهنا أنادي بعمل حي نموذجي من كافة الجوانب، ويتم تطبيق المقترح السابق (الحفرة الواحدة) من خلال التنسيق المكثف بين جميع الجهات المسؤولة عن تقديم هذه الخدمات، ومن ثم تعميمه على بقية الأحياء في المدينة، أما المخططات الجديدة فلا بد من عمل جميع هذه الخدمات قبل السفلتة والرصف لهذه الشوارع سواء في المخططات الحكومية، أو الخاصة لكي نتفادى الحفر، والدفن، والسفلتة لهذه الشوارع لمرات عديدة، وبشكل غير مقبول.
وأعتقد أنه من الضروري التخطيط السليم لهذه الشوارع بحيث تكون فسيحة لتستوعب الزيادة في عدد السيارات في المستقبل، وأن يتم تجهيزها بالخدمات قبل السفلتة والرصف النهائي، وقد يكون من المناسب إرسال المسؤولين عن المشروعات في البلديات والأمانات في دورات، وزيارات لبعض الدول الأوروبية، أو لأمريكا، أو حتى لبعض دول شرق آسيا ليطلعوا على حال شوارعهم، وكيف تنفذ هذه الخدمات، وكيف تتم المحافظة عليها من فتك أجهزة، وآليات الشركات التي تنفذ المشروعات التي يتم تنفيذها على مراحل مختلفة، وفي أوقات مختلفة، وتعمل هذه القطاعات بشكل منعزل عن الآخر، ولا يتم التنسيق بينها فيما يخص هذه المشروعات، وأستغرب من المهندسين ومن المسؤولين في الأمانات والبلديات ممن تلقى تعليمه في دول متقدمة، أو حصل على دورات فيها، ولم يتم تطبيق ما تعلموه في الواقع الميداني، وننتظر أن تعرض لنا أمانة، أو بلدية على الأقل كل عام تجربة ناجحة في هذا المجال، وغيره من المجالات الحيوية الأخرى.