"أنا الشعب.. أنا الشعب..لا أعرف المستحيلا... ولا أرتضي بالخلود بديلا"..

إنه خلود إثبات الوجود، والكرامة والحقوق العادلة لكل مواطن في مصر "أم الدنيا"، ولأن ثورة 25 يناير ثورة شعبية وطنية حقوقية، لا ثورة شعارات وصولية كاذبة؛ لم ترفع شعارات دينية مسيّسة مخادعة، ولا قومية هائجة تموج بمتطلبات من فراغ، ولا حزبية استبدادية لأجل المطامع والنفوذ والسلطة، بل جاءت ثورة سلمية أثبتت للجميع هدفها لنيل الكرامة والعدالة والحرية للإنسان المصري، فخرج للاحتجاجات السلمية الشاب والشيخ والمرأة والرجل والمسلم والقبطي المسيحي، بل والأطفال، يغنون بمطالبهم وبلغة محببة سلمية راقية تحمل الأطفال على الأكتاف وتهتف بحقوقهم، وتحت مظلة الإعلام الحديث الفيسبوك وتويتر والإنترنت قامت الثورة وحفظت من الانتهاك، وبكتيبات إرشادية وتعليمات حول كيفية تنظيمها وإداراتها شدد شباب الثورة على ضرورة التصرفات اللائقة للمتظاهرين وحظر استخدام العنف أو الألفاظ غير اللائقة ضد عناصر الأمن وإن أساؤوا، فالمظاهرة والتغيير مطلبان سلميان، وأعدّوا بذلك بيانا لجميع المشاركين في المظاهرة محذرين من اختراق سلميتها. إنها مدرسة "غاندي" التي أثبتت عبر التاريخ أنها القائد الناجح والحر النزيه للتغيير والإصلاح، لذلك لم تستطع استفزازات عناصر الأمن والبلطجة أن تسرق شرعيتها لأنها اكتسبتها من سلميتها وواجهت العنف ضدها بأساليب سلمية تكتيكية منظمة طبقها المتظاهرون ومن انضم لهم من المحامين والأطباء والإعلاميين لتقديم الدعم في جميع المحافظات، وباتصال تنظيمي تكنولوجي جماهيري غير مسبوق، ومن يفهم قراءة التاريخ ويتلمس تحولاته يدرك قدرة الثورة المعلوماتية وأدواتها وتقنياتها في تعرية الطغاة ومحاصرتهم، لتسقط عروش وتُعدل دساتير وتلغى قوانين في غمضة عين.

وهبت ثورة 25 يناير السلمية إلهاماً للعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة، فنبذت العنف وأجرت مراجعات فكرية لتغيير الأفكار التي تؤمن بالتغيير عن طريق العنف، كجماعة "الجماعة الإسلامية" التي تعتبر أشهر جماعات العنف السياسي في العالم العربي، وباعتراف من منظرها ومؤلف مراجعاتها الفكرية،

د.ناجح إبراهيم الذي اعترف بالفضل لسلمية الثورة في استجابة الرئيس مبارك، وهذه من أهم ثمرات الاحتجاجات السلمية الحقوقية الوطنية وجاء الاطمئنان لمكاسب الثورة بعد البيان الثالث للجيش المصري عندما أكد المجلس العسكري أنه ليس بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب وهي بالطبع دولة مدنية ديموقراطية.

إما أن تكون حراً كما ولدت حراً إزاء ما تراه من التغييرات المتسارعة في العالم، وتؤمن بحق الإنسان في نيل كرامته وحقوقه التي تضمنها له الشرائع والدساتير جميعها، أو تكون تابعاً لمن يختطف عقلك ـ حسب مصالحه ـ ويوجهك حيث يريد هو وحيث لا تختار أنت، وهذا ما رأيناه من بعض المندسين على ثورة مصر الحرة، ليس فقط من المنتفعين مادياً الخاوين فكرياً، بل من رموز الإعلام المتهافت على النفاق واستغلال فرص الانتفاع المتاحة، فمن منافق يريد إسقاط مصالحه على الثورة ناشراً الرعب في كل اتجاه من مطالب سلمية واجهت العنف بكل مسالمة، ويختزل الثورة لأجل تحقيق طمع وزاري أو زعامي للشباب، إلى آخر يخرجها بأصوليته المقيتة من عناصرها الإنسانية ومطالبها الشرعية ليسميها بغير أسمائها، وهل رأيتم أظلم من السياسي المحنك يوسف الأحمد وهو يسميها خروجاً على الحاكم؟ أي حاكم أو إمام يتحدث عنه في دولة جمهورية، إنها إفرازات ذهنية الواقفين على حقبة من الزمن تعداها العالم بآلاف السنوات الضوئية‍! وأقول للأحمد لن يصدقك سوى أتباعك المحبوسين داخل أجندات الوصاية.

وفي انتقال نقيض؛ تميز خطاب السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بصفة الحياد ودعم الحق الشعبي في مقابلتها مع قناة الجزيرة الذي ذكرت فيه أن الثورة بعد أن حققت هدفها الأساس في إسقاط النظام وتغيير الحكومة فعلى الناس أن تجهز للمرحلة التالية، التي هي مرحلة الشروع في العمل الشاق لإنجاز الإصلاحات في مصر والتي تندرج في ثلاثة جوانب رئيسية:

إصلاح الدستور، ووضع قانون للأحزاب السياسية، ورفع قانون الطوارئ، متمنية رؤية نتائج متطلبات الشعب المصري، وأن تكون ثورة مصر مثلا يحتذى في المنطقة.

أما أروع ما ذكرته فهو رؤيتها الفضائية المنفتحة على الحق الديموقراطي للجميع بقولها: "دائما هناك فرصة لتحقيق الديموقراطية" وهذا رد على المدعين بأن هناك أماكن أو أزمان تنقلب مصلحة الديموقراطية فيها فلا تصلح فيهما لتطبيقها.

أخيراً أدعو القراء الأعزاء لتقبل دعوتي على الرابط المرفق للاستماع ومشاهدة الإعجاز الرباني بصوت "الست" الذي تكرره الجزيرة بين مقاطعها الإخبارية، مشعلة شعور الإحساس الشعبي الفضائي الواسع الذي يملؤك بالإيمان بقضية وطنية سلمية عظيمة:

http://www.youtube.com/watch?v=Rssew0OaCNY