ارتفعت أسعار البترول خلال الشهرين الماضيين، منذ بداية أحداث تونس، بنسبة 25% تقريباً، من نحو 84 دولارا للبرميل في ديسمبر لدى اندلاع أحداث تونس، إلى 103 دولارات للبرميل الواحد هذا الأسبوع (سعر برنت)، بعد أن وصلت الأزمة إلى ليبيا، وهي أحد المنتجين الرئيسيين للنفط.

ونستطيع بسهولة حساب حجم الفائض الإضافي الذي تحقق للدول المنتجة للنفط من جراء هذه الأحداث، فإذا كان الإنتاج العالمي حالياً 75 مليون برميل يومياً على أقل تقدير، فإن هذا الفائض، أو علاوة الأمن كما يُسمّى أحياناً، قد تبلغ ملياراً ونصف المليار يومياً، أو 45 مليار دولار خلال شهر واحد، أو 90 ملياراً خلال الشهرين الماضيين، منذ بداية الأحداث. وربما بلغ نصيب أوبك منها 15 مليار دولار على أقل تقدير ( وقد تصل إلى 18 مليارا حسب بعض التقديرات). أما نصيب كل دولة فهو بنسبة إنتاجها من هذا المجموع.

وتتيح هذه الزيادة الضخمة فرصة أمام الدول المنتجة للبترول لنشر شيء من الرخاء على مواطنيها، وربما تحصين مجتمعاتها ضد الاضطرابات ذات الطابع الاقتصادي. وقد قام بعضها بالفعل، بتوزيع هبات مالية، أو تخفيض الضرائب، أو زيادة الدعم للسلع الأساسية ... إلى غير ذلك من سياسات توزيع الرخاء في فترة تنعم فيها ميزانيات الدولة بهذا الفائض غير المتوقع.

وقد يختلف الاقتصاديون على أفضل الطرق لتوزيع هذا الفائض غير المتوقع، ولكن الجميع يتفق على أن هذه الفوائض تعطي الدول المنتجة للنفط فرصة لتحقيق طموحات ربما لم تكن بالأمس ممكنة قبل ارتفاع الأسعار، والتفكير في مشاريع لم تكن ممكنة قبل شهرين.

وكما يُقال، مصائب قوم عند قوم فوائد. وفي عالم النفط، ترتفع أسعار البترول عندما تنشب الحروب، أو يتهدد الاستقرار السياسي أوالسلام العالمي أو الإقليمي، أو عندما تقع كوارث طبيعية، خاصة في المناطق القريبة من إنتاج النفط وخطوط نقله. وترتفع أسعار البترول كذلك لدى تزايد النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة. وبالعكس، تنخفض أسعار البترول في أوقات الكساد الاقتصادي أو الاستقرار السياسي والسلام.

فهناك سببان إذن لارتفاع الأسعار، أحدهما اقتصادي، وهو ما يحدث خلال فترات الرخاء الاقتصادي وما يؤدي إليه من زيادة الطلب على البترول. والسبب الآخر غير اقتصادي بل سياسي استراتيجي، وهو فترات الحروب والقلاقل وتهديد السلام والاستقرار. ويسمّي الاقتصاديون الزيادات غير الاقتصادية، أي الزيادات المرتبطة بالحروب وعدم الاستقرار، بعلاوة الحرب war premium أو علاوة الأمن security premium. ولو نظرنا إلى السنوات الماضية لرأينا تأثير هذه الظواهر واضحاً.

ففي مارس 2003، عندما غزت القوات الأمريكية العراق، تجاوز سعر البرميل (برنت) 34 دولاراً، ثم ارتفع خلال عام 2004 إلى 40 دولاراً، وعندما تأكد أن إنتاج العراق لن يعود إلى سابق عهده، وارتفعت وتيرة العنف في العراق في عام 2005 ارتفع سعر البترول إلى 66 دولاراً للبرميل، ثم تجاوز 78 دولاراً في أغسطس 2006. واستمر في الصعود إلى أن تجاوز 100 دولار للمرة الأولى في 29 فبراير 2008. ووصل برميل برنت أعلى سعر تاريخي له، وهو 144 دولاراً في 3 يوليو 2008م.

ومع الاستقرار النسبي في الوضع السياسي، بوصول باراك أوباما إلى الرئاسة الأمريكية، والأهم من ذلك نشوب الأزمة المالية العالمية، بدأت أسعار النفط بالهبوط سريعاً، إلى أن وصلت إلى ما دون 40 دولاراً بنهاية عام 2008م.

ومع بوادر الانتعاش الاقتصادي العالمي خلال عام 2009 عاودت أسعار النفط الارتفاع، ووصلت إلى نحو 80 دولارا في بداية عام 2010، ولكنها ظلت في تلك الحدود طوال العام تقريباً. ومع بداية الأزمة التونسية في ديسمبر لم تتجاوز أسعار البترول 84 دولاراً، وبعدها بدأت بالصعود السريع، فبلغ سعر البترول 100 دولار في 1 فبراير، في خضم الثورة المصرية، وعلى الرغم من محاولات الدول المنتجة للبترول خلال الشهرين الماضيين زيادة الإنتاج لطمأنة الأسواق، استمرت الأسعار في الارتفاع، إلى أن تجاوزت 103 دولارات لبرميل برنت هذا الأسبوع مع وصول الأزمة إلى ليبيا، وهي منتج رئيسي للبترول.

وكما نرى فإن هذا الارتفاع في أسعار البترول يوفر فرصة سانحة، لم تكن متوقعة، لتحقيق مزيد من الرخاء قد يساهم في تحصين الدول المنتجة للنفط أمام القلاقل الناجمة عن سوء الأوضاع الاقتصادية. فالدولة التي تنتج مليون برميل فقط يوميا قد تجني 20 مليون دولار إضافيا في اليوم بسبب "علاوة الأمن" التي أشرت إليها، أو 600 مليون دولار في الشهر، والدولة التي تنتج عشرة ملايين برميل يومياً ستحقق عشرة أضعاف هذا الفائض، أي ستة بلايين دولار شهرياً، هذا بالإضافة إلى دخلها الذي كان سيتحقق لو ظل سعر البترول عند مستواه منذ شهرين. وفائض شهر واحد يمكن أن يُسهم بشكل كبير في حل مشكلة البطالة على سبيل المثال، فما بالك بفائض شهرين أو ثلاثة؟