الفساد بات لا يحتاج لأن تطيل البحث عن "أعشاش" أصحابه، ليقوم المراقبون الحكوميون بحملات تفتيش عنه! فما عليك اليوم إلا أن تتعرف على أكثر المؤسسات أو الإدارات الحكومية بيروقراطية في تحريك معاملات المراجعين على مكاتب الموظفين والأقسام لتعرف أن أوكارا للفساد تعشعش فيها؛ بل ما علينا إلا أن نعرف أكثر هذه الجهات الحكومية التي يشتكي الناس من أضرارها ومماطلاتها في الصحف وتقرأ لمسؤوليها تصريحات "عمال على بطال" معظمها "حبر على ورق" لتتأكد تماما أن الفساد "مستشر" فيها؛ لماذا؟! لأن التمسك بالبيروقراطية الحكومية؛ لم تعد تعني لبعض الموظفين تمسكا بالمسؤولية الأخلاقية للوظيفة بل سببا من أسباب الالتفاف على الأخلاق ليتم استغلالها أسوأ استغلال للتكسب المادي أو الإداري.

ونتيجة للبيروقراطية "المعششة" في "أمخاخ" معظم وزاراتنا الحكومية وإداراتها ـ للأسف الشديد ـ تؤدي غالبا إلى تجميد معاملات المراجعين من المواطنين وغيرهم؛ وقد يكون تجميدا غير مقصود نتيجة الإهمال والتغيب عن الدوام أو قلة عدد الموظفين القائمين على إنجاز معاملاتهم في قسم ما وهو نوع من الفساد الإداري؛ وقد يكون أيضا مقصودا من قبل كبار الموظفين أنفسهم بحثا عن رشوة من "تحت الطاولة"؛ والنتيجة الحتمية هو تعطيل يتضرر منه المراجعون؛ وبالتالي تأخير مصالحهم التي قد تتحول إلى خسائر مادية أحيانا بحسب معاملاتهم؛ وكلما كانت هذه المعاملات مرتبطة بمصالح مادية للمراجعين كلما كان تربح الفاسدين من وراء المراجعين مكسبا لهم؛ وهو ما يضطر معظم المراجعين إلى البحث عن حل يجنبهم التأخير الذي قد يمتد لشهور وربما سنوات! وغالبا ينتهي المواطنون أنفسهم إلى رحلة مع الفساد بقصد أو دون قصد ؟! وأكثر الطرق الفاسدة التي تُمارس يوميا هو قبول "الواسطات" التي روج لها بعضهم دينيا من قبيل التعاون بالبر والتقوى فيما آخرون استعملوا لها مصطلحات قبلية؛ فلا يترددون بقول: "طلبتك" وأكثرهم صنعوا منها "فزعة" رجولة! المهم؛ هذا يفزع لابن قبيلته في هذه الوزارة وذاك يجري اتصالات بين أصدقائه الموظفين كي يتوسط لابن جارة أخته؛ وتصبح باختصار "الفزعات" أو "فايتمين وااااو" لب الفساد؛ لأنه بمجرد استخدامها يعني أنك تسلب مكانا ودور مواطن أو مواطنة سبق تاريخ تقديمك وربما سرقة ترشيح أحدهم لوظيفة أو مقعد دراسي أو حتى سرير مريض بمستشفى حكومي؛ لأن الواسطة لدينا وصلت حتى لأسرة المرضى في المستشفيات الحكومية إلخ.. إلخ؛ وحتما لا ننسى أبدا أن هذه البيروقراطية هي المظلة التي يختبئ تحتها المرتشون ليبرروا للمراجعين أن ما يقبضونه منهم ليس رشوة بل "أوفر تايم" ليستطيع تفريغ وقته واستخدام علاقاته بزملائه لينجز المعاملة بأقل وقت! أما أسوأ أنواع الفساد الأخلاقي هو حين تكون المعاملة لمواطنات مراجعات؛ هنا مع الأسف الشديد يبدأ نوع آخر من الاستغلال تعرفونه جيدا.

بصراحة؛ كثير من المواطنين يضطرون إلى أن يماشوا الفساد مع أكبر الأسف بحجة "ما يرميك على المر إلا الأمر منه" ولو أن هؤلاء اتبعوا طريق المسؤول لتجنبوا مرارة الفساد؛ فإن كان المسؤول كبيرهم الذي علمهم الفساد؛ فهناك آخر ينطوي تحت إمرته؛ ولو أن كل واحد منّا تقدم بشكوى وفضح هؤلاء ولو في الصحافة؛ لانصلح حال كثير من الإدارات الحكومية المتردية في خدماتها مع الأسف الشديد.