حديث وكيل وزارة الثقافة والإعلام بخصوص معرض الكتاب الدولي بالرياض قيد فيه ما لا يقيد وأطلق ما لا يطلق، حيث أكد حرصه على تقييد الثقافة بالرقابة على الكتب ذات الأبعاد الفكرية "الجنس والدين والسياسة مضيفاً تابوهاً رابعا لها هو السحر" مع علمه أننا في زمن اطلب تجد، بل فكّر فقط تحضر لك شاشة الكمبيوتر كل المحاذير والمحظورات التي حذر منها الجاسر، في حواره مع صحيفة الوطن، متأسياً فيه على قلة حيلته في وضع مراقب تحت كل طاولة "أن وزارته لا تستطيع وضع مراقب تحت كل "طاولة" لدور النشر لمراقبة ما يتسرب من كتب"، جهود عظيمة! ثم أطلق ما لا يصح إطلاقه مرحباً بالمحتسبين "أن الوزارة لا تمنع "الاحتساب" داخل المعرض، وأن مهمتها "ثقافية" وليست رقابية، موضحاً أن دورها الرقابي يقتصر على دور النشر وليس على "المحتسبين". وهي عبارة تناقض نفسها، إذ في الوقت الذي يرحب بالمحتسبين ينفي أن تقوم وزارته بمراقبتهم؟! إذاً أنت تعلم أنهم سيقومون بما قاموا به فعلاً من شغب ومشاجرات وتدخل في المرتادين للمعرض ومحاولة التهجم على بعض الإعلاميين وعلى استوديو "الثقافية" كما ذكر ذلك موقع العربية نت ليلة الخميس ثاني أيام المعرض، فلم إذاً ترحب بهم؟!، مهمتك ليست التفتيش على المحتسبين لكنها بالتأكيد ليست في دعوتهم تحت مسمى الاحتساب، فالمعرض إنما هو لاقتناء الكتب وحضور الفعاليات الثقافية والفنية والعلمية، لا للاحتساب والتدخل في خصوصيات وحريات الآخرين! ولأن مفهوم الاحتساب مطلق من عقال المسؤولية ومعروف بصولاته وجولاته العابثة بحقوق الحرية الفردية والكرامة، هب بانطلاق عبثي لا يخضع لميزان العقل والحكمة، ولا حتى لحق الكلمة الطيبة، لينهال أصحابه بألفاظ غير لائقة وبهجوم غير أخلاقي على وزير الثقافة والإعلام، مستغلين الفرصة لإملاء رؤاهم المتزمتة وفرضها على مجالات وأماكن ومرتادي العمل الثقافي، رغم أن الوزير معروف بأريحيته وأخلاقه الفاضلة، ويعتبر من السباقين للتواصل الاجتماعي الراقي عبر الفيس بوك، لكن هؤلاء لا يتناقشون ولا يعرفون للحوار قيمة، فضلاً عن أن يكون لهم رؤية ومنهج، إنما يفرضون تسلطهم بأسلوب هجومي همجي ينبئ عن نفوس مشحونة بالكراهية والحنق، مرددين أسطوانتهم المشروخة المتهمة بالتغريب والتآمر على دين الأمة، وكأن الوزير والموجودين جميعا كفار ينتظرون عبث هؤلاء الغوغاء ليعلموهم دينهم الحق باسم مهنة الاحتساب!

وهاجم المحتسبون مثيرو الشغب النساء "اختصاصهم الأساس" بأسلوب مهين وجارح وأعطوا أنفسهم الحق بإطلاق ألفاظ مؤذية وأمروا بتغطية وجوه النساء وإخراجهن من المعرض، مازالوا يعاقبون المرأة على صنع الله لوجهها الذي يريدونه مخفي المعالم تحت قطعة سوداء كثيفة، فارضين رؤيتهم المتشددة في حجب المرأة، وقد أجملوا اعتراضاتهم في أمرين: المرأة كوجود، طبعا فكلما "تعطي المتشدد وجهاً" يرفع عقيرة مطالبه، والكتب التي وصفوها بالمخالفة للشريعة والعقيدة وبادعاء يحمل ذات التهم المكرورة؛ التغريب والعلمانية والكفر.

ولأن الجاسر يؤكد ترحيبه بالنقد، فليسمح بأن أقترح عليه اقتراحاً اختيارياً عله يجنبنا تكرار ما حدث، عندما ذكر أن المعرض خاضع لـ"ضوابطنا" فلماذا تضيف لمعرض الكتاب إذاً صفة العالمية، العالمية يفترض أنها لا تلتزم بضوابطك الخاصة، التي أشغلتم العالم بها، وبما أن المعرض معرض كتاب عالمي فإما أن تتجاوز ضوابطك أو أن تلبس معرضك صفة المحلية فقط وبدور نشر سعودية تفهم وإن لم تقدر هذه العبثية الاحتسابية، فضوابطك لها خصوصية لا تشبه أحداً، والمحتسبون اعترضوا على كتب شعر الغزل، فهل يشبهنا أحد؟! وإما أن تتنازل عن ضوابطكم "خصوصيتكم" ليكون معرضاً دولياً، فدور النشر التي دعوتموها تمثل سفارات دول لا تعنيها ضوابطكم الخاصة المستبدة بخيارات الفرد ومبادئه وقناعاته الخاصة وثقافته المختلفة، ولا تستطيع إرباكها بقناعات تتعارض وتظاهرة ثقافية عالمية فكرية كمعارض الكتب، فعقول هديت النجدين، وحررت من أغلال الوصاية وقمع الحرية لا تسمح بتقييدها باحتسابكم الخاص، وحساباتكم الإكراهية!

إن ما يفرض الرؤى المتخلفة كـ" فوبيا الاختلاط" تقسيم أيام المعرض لرجال، وعوائل، وبطريقة لا تسأل عن منطقيتها، حيث يتم لنفس الرجل الذي جاء في يومه الخاص إضافة يوم آخر مع عائلته التي قد تكون طفلة فقط فيختلط بالنساء، وهذا دليل على أن منع الاختلاط هو نتاج برمجة متخلفة مورست بكل تفاهاتها على الناس ورغما عنهم، لم أجد لها مخرجا عقلانيا يكشف مآثرها الجهنمية لصنع فضيلة مرتبطة بفصل مزدوج، ينتج الفشل في اليوم الثاني عندما يخصص للعوائل، فأي مهزلة هذه وتلاعب بالعقول، ولأي طريق يقودنا له مانعو الطبيعة البشرية بأساليب القمع والتدخل السافر في مكان مفتوح يفترض أنه يستمد قدسيته من الثقافة والمعرفة والفكر!

حسب موقع العربية نت أن عدد المحتسبين يقدر بأكثر من 500 شخص، ألقت قوات الأمن القبض على 100 منهم لإثارتهم الشغب بالتهجم على بعض المتواجدين من الزوار بحجة التجاوزات الأخلاقية، وشهد آخر هذه "المناصحات" حديثاً حاداً من طرف أحدهم للوزير خوجة شاهراً يده في وجه الوزير مهدداً: "أن تواجد النساء ونوعية الكتب التي تعرض في المعرض، والتي فيها بعض الأفكار الهدامة والعلمانية والتي لا ترضي الله ورسوله"، وأضاف "هذه الكتب التي يتم طباعتها وتوزيعها تشهد أفكاراً كفرية، وأقلها أشعار غزل فاحش"، بالله عليكم هل هذا معرض كتاب دولي؟! سؤال أتمنى من وكيل الوزارة الإجابة عليه. "أقل الأفكار الكفرية أشعار الغزل الفاحش"!! إنه منهج التكفير الذي دمر العقول وأرهب وأباد، فمن ينقذ عقول شبابنا من أجندات المحتسبين التكفيرية؟!