منذ أسبوعين أوضحت على صفحات هذه الجريدة الغراء، أن ما تنبأ به ما يسمى بـ"المرصد الروسي" حول تعرض مدينة جدة في غرة شهر مارس الحالي إلى عواصف وأمطار شديدة هو أمر عار تماما عن الصحة، كما أوضحت أيضا أن بداية شهر مارس تمثل المقدمة الأولى لفترة الانقلاب الربيعي، الذي يمثل رحلة الشمس من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها حيث تتعامد الشمس تماما مع خط الاستواء في الفترة ما بين 20 إلى23 من شهر مارس، في هذه الفترة أي فترة الانقلاب الربيعي تتعرض أجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط خاصة جزيرة العرب إلى عواصف ترابية شديدة، نتيجة لتكون المنخفضات الجوية فوق الطرف الجنوبي الشرقي للصحراء الكبرى ومن ثم مرورها فوق جمهورية مصر العربية، وبسبب معدلات الضغط الجوي المرتفعة نسبيا فوق أجواء جزيرة العرب تتجه رياح هذه المنخفضات الجوية بما تحمله من رمال الصحراء الكبرى جهة الشمال الشرقي صوب مدينة القاهرة، ومنها إلى دول حوض الشرق المتوسط، وعند مرور هذه المنخفضات فوق شرق البحر الأبيض المتوسط تلتقط بحركتها اللولبية بعضاً من بخار الماء فيصبح لها جبهتان إحداهما جافة تحمل رمال الصحراء الكبرى والأخرى رطبة تحمل كميات كبيرة من بخار ماء البحر المتوسط، وتتجه صوب الشرق في اتجاه العراق، وأثناء مرورها فوق شمال جزيرة العرب تلتقط مزيدا من رمال صحارى جزيرة العرب خاصة صحراء النفود الكبرى وصحراء الدهناء، وبذلك تثير موجات شديدة من الغبار والأتربة على جميع دول مجلس التعاون الخليجي وشرق ووسط المملكة العربية السعودية. ومن هذا المقام أتوجه للجهات المعنية بمراقبة الطقس في جزيرة العرب، أن تراقب مراقبة حثيثة ودقيقة جميع المنخفضات الجوية التي تتكون فوق الصحراء الكبرى وبالتحديد في المنطقة الواقعة في أقصى جنوب شرق جمهورية مصر العربية، المراقبة الحثيثة لمثل هذه المنخفضات توفر الوقت الكافي لأخذ الاحتياطات الكافية والكفيلة بحماية المواطنين من أتربة هذه العواصف خاصة الأطفال وكبار السن الذين يعانون من الحساسية في صدورهم. وفي رأيي الخاص جدا، أنه في الفترة ما بين 15 مارس وحتى نهاية شهر أبريل ستتعرض جميع مدن وسط وشرق وشمال شرق المملكة العربية السعودية لعواصف ترابية شديدة ستكون أعنف مما تعرضت له مدينة الرياض في فترة الانقلاب الربيعي من العام الماضي! بل وقد تكون شدة هذه العواصف الترابية أشد من العواصف الترابية التي تعرضت لها جزيرة العرب في 25 مارس لعام 2003.

الأمور ليست كما نعهدها في الماضي! الغلاف الجوي للكرة الأرضية يتعرض لتقلبات وتغيرات مناخية متطرفة، ونحن إلى الآن لم نتعامل مع هذه المنظومة بطريقة علمية تجنبنا الكثير من أخطارها.

وكما وعدت سابقا أعود وأتحدث عن التغيرات المناخية الشتوية في جزيرة العرب، وفي هذه الفترة يؤثر المرتفع الجوي الهندي Indian high على جنوب جزيرة العرب وشرق القارة الأفريقية، لذلك نجد انخفاضا كبيرا في نسبة الأمطار على جنوب جزيرة العرب والهضبة الإثيوبية، وهذا يبدو واضحا في انخفاض كمية الأمطار على جنوب غرب المملكة في هذه الفترة. ومن المتغيرات المناخية التي تؤثر على جزيرة العرب في فصل الشتاء، تكوين المنخفضات الجوية فوق حوض البحر الأبيض ويكون محور تحركها في اتجاه الشرق، فتؤثر بذلك بعواصف وأمطار شديدة على الدول الواقعة شرق وجنوب شرق البحر الأبيض المتوسط ومنها شمال مصر وبلاد الشام، معدلات الضغط المنخفضة نسبيا والمتمركزة شرق البحر الأبيض، تتسبب في اندفاع كميات كبيرة من الهواء الرطب الدافئ نسبيا المحمل ببخار الماء من بحر العرب وجنوب البحر الأحمر في اتجاه الشمال على طول محور البحر الأحمر، هذه التيارات الهوائية الدافئة والرطبة حين تتصادم مع امتداد التيارات الهوائية الباردة للمنخفضات الجوية المتكونة فوق شرق البحر الأبيض، تتكثف لتكون السحب المطيرة، وهذا ما يسمى بمنطقة التقابل Convergence zone، نقطة التقابل هذه عادة ما تكون بين خطي عرض 21 و 23 شمال أي بالقرب من مدينة جدة، وقد يختلف موضع التقابل بناءً على الفرق في قيم الضغوط الجوية النسبية المتكونة فوق شرق حوض البحر الأبيض المتوسط وقيم الضغوط النسبية فوق حوض البحر الأحمر، وعليه فقد يكون موضع التقابل في شمال البحر الأحمر بالقرب من مدينة حقل وضبا أو قد يكون موضع التقابل جنوب البحر الأحمر بالقرب من مدينة القنفذة ومدينة جيزان، وهذا ما يفسر الاختلاف في كميات هطول الأمطار على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر. وفي كثير من الأحيان يكون موضع التقابل شرق سلسلة جبال الحجاز، وفي كلتا الحالتين تتجه هذه السحب المتكونة في اتجاه الشرق فتؤثر بذلك أمطارها على وسط وشرق جزيرة العرب. أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت، فالتفاعل بين هذه المنخفضات الجوية أمر في غاية التعقيد ولا يحتمله مقال صحفي.