ارتفاع كبير في أسعار الأسماك واختفاء بعضها من السوق المحلي


حينما يرتفع سعر سلعة معينة بصورة غير منطقية، فإن مستهلك هذه السلعة سوف يبحث عن السبب، ويعود إلى ثنائية العرض والطلب، كما العوامل التي رجحت إحدى دفتي الميزان، فصار الخلل في السعر كبيرا، ليثقل كاهل المشتري، وخصوصا إذا ما كانت السلعة حياتية، وتتعلق بغذاء العائلة، وهو ما حصل مع "الأسماك" في المنطقة الشرقية، التي ارتفعت أسعارها بشكل سريع وغريب في آن معا، متجاوزة في بعض أنواعها الضعفين والثلاثة، وأكثر من ذلك! فبعض الأصناف التي لم يكن سعرها يتخطى خمسة ريالات للكيلوجرام الواحد، لم تقفز أسعارها إلى ستة أو سبعة ريالات مثلا، فيكون الوضع طبيعيا، ما يلبث أن يعود، لكنه قفز ليتخطى العشرين، والثلاثين ريالا للكيلوجرام، مما شكل عبئا مضاعفا على العائلات، وخصوصا تلك التي لا يغيب السمك عن مائدتها بشكل شبه يومي.

صيد قليل

يقول عبد الله حسن آل سعيد، الصياد ذو الخمسين عاما، إن "الوضع الحالي للصيد المحلي غير مطمئن، ولا يبعث على التفاؤل، ولا يبدو أنه مشجع لأحد على العمل في هذا المجال، ففي وقت ماض، كان الواحد منا يدخل البحر ولمدة لا تزيد عن ثلاث ساعات، يجلب معه ما مقداره 20 ثلاجة، أي ما يعادل 10 ــ 15 منا، أي نحو 150 ــ 200 كلجم من مختلف الأسماك، وبجودة عالية"، موضحا أنه "تتم عملية الصيد في ذلك الوقت بوسائل الصيد اليدوية وهي السالية، والغزل. كما أنه قد تزيد هذه الكمية ولا تنقص، ولكن في الوقت الحاضر على العكس من ذلك، لا يمكن لأي أحد أن يصيد ربع ما كان يصيده في السابق، وفي وقت أطول، إذ يدخل الصياد البحر من الصباح الباكر وحتى غروب الشمس، ولا يخرج بربع ما كان يصيده، ويمكن أن يعود بلا صيد، أو بنصف ثلاجة فقط". ويضيف آل سعيد قائلا "في الزمن الماضي، نلاحظ أسراب الأسماك أمام أعيننا، وعلى مسافة أقل من كيلومتر تشعر بأن ثمة صيدا وفيرا ينتظرك، بل في كل بقعة فيها ماء نجد أن هناك نوعا من الصيد، والأسماك متوفرة، والكل يصيد، بينما في الوقت الحاضر تجوب البحر، متنقلا من مكان إلى آخر، ولا تجد صيدا، وإذا كان هناك ثمة صيد في مكان ما، فإن عليك أن تتوقف، فربما كان هذا الموقع محظورا على الصيادين دخوله، لأسباب غير معروفة".

انحسار مراعي الأسماك

من هنا، وبحسب آل سعيد، الذي عمل في البحر لأكثر من 40 عاما، فإن هنالك "تراجعا مخيفا في مستوى الصيد"، مبينا أنه "انقرضت بعض أنواع الأسماك العربية المعروفة، مثل السبيطي، والعريضي، والحيسون، والخوفع، والبياح، وباتت في السوق بكميات قليلة جدا، وقد انعكس ذلك على أسعار بعض الأسماك في السوق المحلية، فسمك الميد لم يكن يباع في السنوات الماضية بأكثر من خمسة ريالات للكيلوجرام، في حين نجد أن سعره قد تجاوز العشرين ريالا للكيلوجرام الواحد". ويعلل آل سعيد هذا الوضع بأنه عائد إلى "انحسار مراعي الأسماك المحلية، بسبب عمليات الردم، وتحويل مساحات كبيرة من البحر إلى مخططات سكنية، وكذلك رمي المخلفات البشرية والزراعية إلى البحر بطريقة غير صحية، فضلا عن الردم الجائر ورمي المخلفات البلاستيكية التي ساهمت في تلويث البحر والقضاء على أماكن معيشة الأسماك والأحياء البحرية، خصوصا في الساحل".

مواقع صيد محدودة

وإذا أتينا إلى صيد "الروبيان" أو "الجمبري"، ففي وقت سابق، ومع بداية كل موسم، لا تستغرق عملية تعبئة "الشبكة" من "الروبيان" سوى عشر دقائق، من موقع واحد. بينما في الوقت الحاضر، "تنتقل من الدمام إلى صفوى، فلا تجد ألا مواقع محدودة للصيد، بعكس الزمن الماضي، وقد أثرت على ذلك عمليات الردم والدفن وغير ذلك، والتي قضت على أشجار القرم، التي كان مأوى الأحياء البحرية في فترات الحضانة"، بحسب آل سعيد.

حماية الساحل

أما رئيس "الجمعية التعاونية لصيادي الأسماك" بمدينة صفوى، داوود آل سعيد، فقد تحدث لـ"الوطن" عن الوضع العام بالنسبة للصيد المحلي، وقال "لقد تم القضاء على الساحل، بفعل أعمال الردم، ولم تعد شجرة المانجروف متواجدة، كما كانت عليه في السابق، حيث الغابات التي تؤوي الكثير من الأسماك، والأحياء البحرية". ويرى آل سعيد ضرورة "وضع قانون عقوبات على كل معتدٍ، حتى يزيل أثر جريمته، ووضع غرامات صارمة على كل من يتعدى على الأرض الساحلية، كائنا من كان"، مقترحا بأن تحال قضية السواحل إلى "هيئة كبار العلماء، لإصدار فتوى بتحريم التعدي على الساحل والعبث بالحياة البحرية، ذلك لأنها ممتلكات عامة، وليست ملكا لأحد، فلا يجوز التعدي عليها تحت أي ظرف. هذا فضلا عن أنها تتعلق بحياة الإنسان، التي هي أغلي من كل شيء".

تغيرات بيئية

وأما بالنسبة لعمق الساحل والبحر، فقد أوضح آل سعيد أنه "قد تأثر بعمليات الردم، فأشجار القرم كانت توقف زحف الرمال، دون أن تصل إلى الأعماق، ولكن الردم الذي قضى على القرم، سحب الرمال إلى الأعماق، وبسبب الردم أيضا تغيرت مجاري المياه". مضيفا في معرض شرحه للتغيرات البيئية الحاصلة أن "هناك تصرفات غير علمية، وتنطوي على أضرار كثيرة بالبيئة البحرية، منها الجرف الجائر الذي يتم عن طريق الطرادات التي تحرث الأرض، وتكسر الصخور المرجانية، وتقضى على مخابئ الأسماك، والحشائش".

وأشار آل سعيد إلى أن من العوامل التي أثرت على عملية الصيد في الأعماق، "رمي المخلفات البلاستيكية، وشباك الصيد القديمة، والأقفاص منتهية الصلاحية، التي تدمر بيوت الأسماك، فضلا عن المخلفات البترولية التي تنفثها بعض البواخر، وبعض الصيادين الذين لا يتورعون عن رمي علب الزيت الفارغة، والزيت المحروق إلى أعماق البحر"، متسائلا "أي بيئة بحرية يمكن أن تتكون في ظل هذا الوضع؟".

النظام والتثقيف

وفي سبيل الحد من مشكلات البيئة البحرية، يرى داود آل سعيد، أن المطلوب في الوقت الحاضر هو "إيجاد نظام صارم للأشباك والقراقير، وتثقيف الصيادين بأن هذا الأمر يضر البيئة، ويسهم في خفض نسبة الصيد المحلي. كما يجب الإيقاف الفوري لكل أعمال الردم، ومراقبة السفن، ومنع الصيد بالجر القاعي، على غرار دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى"، مقترحا أن "تتم عملية تنظيف شاملة لأعماق البحر، وأن تتم عملية الصيد بالوسائل التقليدية".

الالتزام بالقرارات

أما نائب رئيس "الجمعية التعاونية لصيادي الأسماك" بصفوى، جعفر الصفواني، فقد أوضح أن المهم في الوقت الحاضر هو "الالتزام بالقرارات العليا، التي أصدرها مجلس الوزراء، والتي تمنع العبث بالبيئة البحرية، حيث تتعارض عمليات الردم والدفن مع الأمر السامي رقم 1861 /8 والصادر بتاريخ 27/8/1404هـ، والقاضي بالموافقة على مرئيات اللجنة الوزارية المشكلة لدراسة ردميات البحر في المنطقة الشرقية، حيث رأت اللجنة أن يبقى خليج تاروت على وضعه الحالي بدون ردم". وذكر الصفواني أن "أعمال الردم تتعارض أيضا مع مضمون الأمر السامي رقم 1004، والصادر في 20/1/1419هـ، القاضي بعدم التمليك أو منح الأراضي الساحلية، أو إصدار تراخيص عليها بعمق 400 متر عن الشاطئ، باستثناء الضرورات الأمنية فقط. كما يتعارض هذا الوضع مع الأمر السامي رقم 982/م في 15/9/1419هـ، المتضمن في الفقرة الأولى، أن الأصل منع الردم على الواجهات البحرية".

وأشار الصفواني إلى أن من الضرورة "الالتزام بالقرارات السامية العليا، الرامية للحفاظ على البيئة وعلى الحياة البحرية، تلك الأوامر التي وضعت الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل للمواطنين موضع اهتمامها، مما يؤكد سلبية عمليات الردم، التي طالت العديد من السواحل على خليج تاروت، الذي تتكاثر فيه غابات أشجار القرم، والذي يعتبر البيئة الخصبة لتكاثر الأسماك والروبيان، والتي تمثل مصدر رزق لقطاع كبير من المواطنين، فضلا عن كونها مصدرا غذائيا هاما".

تراجع الإنتاج السمكي

هذه الحال التي غيرت في البيئة الساحلية، برأي الصفواني، "أثرت على حجم الصيد المحلي، وتراجع مستوى الإنتاج السمكي، وصرنا نستورد الأسماك من دول مجلس التعاون الخليجي، وكنا في وقت سابق نصدر لهم الأسماك". وخلص إلى القول إن "ساحل المملكة على الخليج العربي، بات يميل لأن يكون ساحلا سياحيا، يمتع الأنظار ويحيي مشاعر الشعراء، لكنه في المقابل لم يعد ذلك المصدر الأساس لعيش عليه العشرات من الأسر، وكل ذلك بفعل عمليات التعدي اليومية التي تجرى بحق الساحل"، إلا أنه أشاد في الوقت ذاته بقرار وزارة الزراعة، القاضي بمنع منح تراخيص الصيد إلا للسعوديين، آملا بـ"توطين هذه المهنة بالكامل، كما كانت في زمن الآباء والأجداد".

غرامات وقيود

يوسف العميري، الصياد على ساحل مدينة الجبيل، أوضح في حديث لـ"الوطن"، أن الصيادين "يخسرون غرامات من أجل شركة أرامكو، فالأنظمة التي تفرضها أرامكو داخل البحر، ويطبقها حرس الحدود علينا، تحدد الابتعاد عن منشآتها 6 أميال بحرية"، معتبرا أنه "لم يتبقَ للصيادين مكان لطلب الرزق فيه". وأشار العميري إلى أن "الإجراءات الأمنية المشددة، التي يقوم بها حرس الحدود، تأتي من صميم عملهم، ولكن التوقف لساعات طويلة في الظهيرة، ودرجة الحرارة تصل إلى الخمسين مئوية، يعد أمرا غير منطقي، بعد رحلة صيد داخل البحر، لأكثر من 7 أيام، والتأخير الذي يحدث بها".

العميري اعتبر أن "قرارات الثروة السمكية تتم بشكل غير مدروس، علاوة على الغرامات المجحفة ـ بحسب العميري ـ، خصوصاً بعد إصدار بطاقة تحديد نوعية الرحلة، إن كانت سمكا أو ربيانا، والتي كان الهدف منها الحد من صيد السمك في موسم الربيان". معتبرا أن قرار عدم "تغيير البطاقة إلا مرة واحده في السنة، أمر مقيد للصيادين"، لافتاً إلى أنه "في بداية العمل بالبطاقة، سمح بصيد الأسماك السطحية، وتمت إزالته لاحقاً، ومنعنا من صيد حتى الأسماك السطحية، وحدد وزن يتراوح بين 50 و 60 كلجم في الرحلة الواحدة، لمدة 7 أيام من الأسماك، بما فيها الأسماك التي يتم صيدها خلال صيد الربيان".