يقدر البعض عدد سكان جدة حاليا بأكثر من 3 ملايين نسمة ، وهي لا تزال تبتلع الكثير من القادمين إليها وتمحوهم داخل آلتها المدنية الضخمة ، فجدة إضافة إلى كونها مدينة تاريخية هي أيضاً مدينة معاصرة تمت تغطية أرضها منذ أكثر من نصف قرن بالإسمنت والحديد .
ولا يصدق احد من سكانها الحاليين، خصوصا من الشباب الحالمين بالشقة والوظيفة، أن سعر المتر في أفخر أحيائها حاليا وهو حي الحمراء والكورنيش كان بنصف ريال فقط قبل 60 عاما فقط ، وذلك بحسب القرار الذي أصدره الملك فيصل حينما كان وليا للعهد في عام 1367،بينما زادت الاسعار في خلال تلك العقود البسيطة الى 5 آلاف ضعف حتى الآن،وهو ما سنتعرف عليه تفصيليا خلال هذا التقرير.
لقد كان اهتمام سكان جدة بالعقار واضحاً قديما ،وقد فرضت السلطات التي تعاقبت على إدارة المدينة رسوماً يدفعها الحجاج ، وكانت هناك فئة من سكانها أولت اهتماماً خاصا لتجارة العقار، فكان كل همهم شراء العقار واستثماره إما بالبيع أو بالتأجير، ومن هؤلاء كما ذكر المؤرخون علي باعشن وولده محمد صالح باعشن.
ولم تكن هناك رئاسة بلدية في جدة وكان يدير الشؤون البلدية قبل عام 1300هـــ ، وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري حولت الحسبة إلى رئاسة بلدية وكانت مهمتها تنحصر في مراعاة الحالة الصحية والعمرانية ثم تطورت إلى سفلتة الشوارع وإضاءتها وتشجيرها ثم تسميتها وترقيمها.
وتسببت الهجرة المتزايدة إلى مدينة جدة من المدن السعودية الأخرى والقرى المحيطة وسكان البادية في ارتفاع أسعار العقارات بشكل غير مسبوق، مما دفع الحكومة السعودية لوضع ضريبة واردات البلدية على العقار تبلغ 5%.
ويظهر القرار الذي اتخذه المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز لتحديد أسعار العقارات في مدينة جدة حين كان ولياً للعهد تزايد حجم الاستثمارات في العقارات وارتفاع سعرها مما حدا به إلى وضع لائحة تحدد أسعارها ،وصدر القرار في إطار الخطط العمرانية المنظمة للمدينة وذلك في 5 /9 /1367هـ
وحددت أسعار العقارات بثلاثة ريالات للمتر المربع لأراضي الدرجة الأولى.، وريالين للمتر المربع لأراضي الدرجة الثانية، ريال واحد للمتر المربع لأراضي الدرجة الثالثة،ونصف ريال للمتر المربع لأراضي الدرجة الرابعة.
وجاء في هذا القرار (تعتبر أراضي الدرجة الأولى كل الأراضي التابعة للبلدية والشارع الأول شرقاً وغرباً من الأراضي التي تبدأ من جنوب جدة الى رأس الميناء الجديد) وهي الأراضي التي تعتبر الآن الأقل سعراً في مدينة جدة وتضم الأحياء الشعبية القديمة مثل النزلة اليمانية، وغليل، الكرنتينا، الثعالبة، الهنداوية، مدائن الفهد.
كما (تعتبر بداية أراضي الدرجة الثانية من الشارع الأول من جميع الأراضي الواقعة على الخط الموصل من جدة إلى المطار شمالاً وجنوباً والأراضي التي تبدأ من المطار في اتجاه قصر خزام إلى اتصالها بطريق جدة مكة والأراضي التي تبدأ من باب مكة حتى ابتداء قصر خزام جنوباً وحتى نهاية الكيلو الثاني شمالاً ) وهي المنطقة التي تشمل الآن وسط جدة وشرقها، وتعتبر أسعار العقارات فيها رخيصة نسبياً قياساً إلى أسعار العقارات التي تمتد إلى ما بعد هذه المنطقة شمالاً
أما المنطقة الثالثة فهي الواقعة بالمنطقة جيم حسب التصنيف وهي المنطقة جيم.
وايضا (تعتبر أراضي الدرجة الثالثة الشارع الثاني من الجهة الجنوبية الموصلة من الميناء الجديد مع الأراضي الواقعة في شمال جدة ابتداء من نهاية الثكنة العسكرية ووزارة الخارجية حتي منطقة الرويس ويدخل في ذلك الأراضي الواقعة غرب الكندرة والنزلة اليمانية ) وهي الآن الأقل سعراً من المنطقة التي تقع شمالاً وتشمل شارع فلسطين، ,حي الحمراء ، حي الشاطئ حتى شارع التحلية.
ويلاحظ أن المنطقة الرابعة والتي تقرر أن يكون سعر المتر من الأراضي فيها نصف ريال فقط، هي الأراضي الأغلى سعراً الآن في جدة، وتشمل المنطقة الشمالية والشمالية الغربية الممتدة على الكورنيش وصولاً لحي المحمدية شمالاً والتي اعتبرها القرار من الدرجة الرابعة من حيث التصنيف وهي الأراضي التي ظلت مهجورة حتى قبل 25 عاماً .
أما أغلى العقارات سعراً في ذلك التاريخ فهي العقارات التي تتمحور حول الشوارع الرئيسية في المدينة وهي شوارع ضيقة ومتعرجة وسعتها تتراوح بين 8م و 15م وهي العقارات التي تدخل في منطقة جدة التاريخية من باب البنط وحتى باب شريف وكانت أسعار العقارات التي تقع إلى جانب الأسواق الشهيرة بمدينة جدة والتي كان الإقبال عليها واسعاً على نفس المستوى.
وقد ظلت معظم هذه الأسواق رغم تطورها تحمل نفس المسمى وفي نفس المنطقة ،غير أن أهل جدة تركوا هذه المنطقة ،ونزحوا شمالاً حيث قفزت أسعار الأراضي هناك إلى 5000 ريال للمتر المربع أي خمسة آلاف ضعف على تسعيرتها في عام 1367 هجرية.