متابعة تطورات الواقع العربي تفرض نفسها على كل الناس اليوم، المهتم وغير المهتم، المتعلم والأمي، فهي تطورات ووقائع تفرض نفسها على اهتمامات الناس قسرا في ظل ثورة المعلومات وتنافس الفضائيات وانفتاح النت.

في سياق هذه المتابعة المستمرة لفت نظري أول أمس المرسوم السلطاني الجديد الذي صدر في عمان والذي يقضي بتحويل مجلس عمان بغرفتيه إلى مجلس تشريعي رقابي مع تعديل دستور الدولة خلال شهر بما يضمن تحقيق هذه السلطة التشريعية والرقابية للمجلس. الواقع أن هذا المرسوم لمن يتابع تطورات الأحداث في عمان لم يكن مفاجأة، لكنه في الحقيقة حدث مفصلي في سلسلة التغييرات التي يجريها السلطان قابوس تحقيقا لمطالب المواطنين هناك، ولا أظنه سيكون الأخير، فمنذ اندلاع المظاهرات في "صحار" منذ أسابيع قليلة تحرك السلطان بطريقة إيجابية، لم يتجاهل مطالب الناس ولم يستنكف من الاستجابة لها، ولم يقل ليس هذا وقته، فبادر إلى اتخاذ عدد من القرارات لتحسين مستويات المعيشة وتهيئة فرص العمل، ثم تبعا للمطالب التي لا تتوقف عند حدود الخبز، غير السلطان في وزارته ثلاث مرات، وضحى بأقرب المقربين إليه، وأقصى قائد الأمن العام وأخيرا قرر تحويل مجلس عمان ليكون سلطة تتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرار ومراقبة تنفيذه، وهذا القرار الأخير المتعلق بمجلس عمان يأخذ أبعادا أكبر إذا علمنا أنه جاء بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي بدعم السلطنة بعشرة مليارات دولار، ومعنى ذلك أن السلطان قابوس يدرك أن العيش الكريم لا يعني فقط المأكل والمشرب والمسكن الذي قد يحققه هذا الدعم الخليجي بفعالية، ولكنه فوق ذلك حرية وكرامة ومشاركة شعبية في إدارة شؤون وشجون الوطن. السلطان يملك شرطة وجيشا وقوات طوارئ، وبالتأكيد لديه غازات مسيلة للدموع ورصاص مطاطي فضلا عن الرصاص الحي، وقد تم تجريب ذلك بصورة محدودة كان يمكن أن تتسع، لكنه وهو خريج بريطانيا يعلم أن الشعوب إذا أرادت فإن إرادتها لا يمكن قمعها، ثم لماذا القمع طالما أن المطالب حق، لقد قرر السلطان أن يكون التغيير بيده لا بيد الشعب، طالما أن الأمر مازال بيده، وأن تكون اليدان متصافحتين لا متصارعتين تمتحن كل منهما قوة الأخرى، بل تتجه قوتاهما إلى بناء الوطن وتحقيق أمنه ورخائه على أسس واضحة من التفاهم والشراكة الفاعلة، ويبقى النظام السلطاني قائما، بل ويزداد رسوخا عن قناعة ورغبة، لا عن خوف ورهبة، واليوم أقرأ أن المظاهرات في عمان بدأت في التناقص والهدوء بفضل الوصفة الإصلاحية التي عالج بها السلطان قابوس الموقف، ومثله فعل ملك المغرب منذ أيام عندما قرر إعادة تصميم الدستور بما يتناسب ومتطلبات المرحلة، وليت البحرين والأردن يجدان في عمان والمغرب قدوة تساعد نظاميهما على اتخاذ الإجراءات المناسبة لكل منهما لتحقيق الإصلاح الذي ينشده شعباهما، وأن يبتعدا مثلما ابتعد قابوس ومحمد السادس عن توزيع التهم على شعبيهما، وأن يدركا كما أدرك نظاما السلطنة والمغرب أن هناك مطالب مستحقة لا مناص من تلبيتها والوفاء بها، ولا بد من استغلال الوقت لأن الشعوب في هذه الدول الأربع التي أشرت إليها رفعت وما زالت ترفع شعار (إصلاح النظام)، وحكمة قابوس ومحمد السادس أبقت شعبيهما في حدود هذا المطلب فليت البقية يتداركون قبل استبدال كلمة الإصلاح بالإسقاط، فتصبح عروض الإصلاح آنذاك مثل المحاولات اليائسة التي بذلها بن علي قبل هروبه، ومبارك قبل تنحيه، وعلي صالح وهو يترنح الآن، أو القذافي الذي أصبح مجرما عالميا، وكل الخيارات مفتوحة.