لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وأزماته الإقليمية حقيقتين مهمتين، أولاهما هي أهمية دور المملكة كضامن للاستقرار وداعم للاقتصاد العالمي. أما الثانية فهي توافر الفرصة أمام المملكة للعب دور أكبر يحتوي المنطقة ككل وكذلك توافر الموارد اللازمة لتعزيز مكانة المملكة على مستوى العالم. فقد تمكنت المملكة بفضل سياساتها المحافظة في الماضي من الوصول إلى عضوية مجموعة العشرين، وهو المنتدى الاقتصادي الأول للعالم. ولكن المملكة اليوم في حاجة إلى أكثر من هذه السياسة المحافظة لتلبية الزيادة في الطلب المحلي الحالية والمستقبلية المتوقعة، ولذلك فهي بحاجة لتحديث وتسريع وتيرة نمو الاقتصاد لتتمكن من التحول من دولة إقليمية إلى دولة عظمى في مصاف دول العالم الأول.
لم يكن المال يوما مشكلة الاقتصاد السعودي، ويدل على ذلك وصول سعر برميل النفط إلى أكثر من 114 دولارا للبرميل، فضلا عن زيادة السعودية صادراتها النفطية لتغطية العجز الليبي. النتيجة الطبيعية لذلك هو المزيد من الفوائض المالية المتراكمة. إن تحول السعودية إلى دولة عظمى يحتم عليها توحيد جهودها التنموية وتبني المزيد من الرقابة وتبني إستراتيجية تطوير مستقبلية. إن أفضل الجهات التي يمكنها تبني هذا الدور الحيوي هو المجلس الاقتصادي الأعلى، بحيث يعمل كمجلس إدارة للبلاد يراقب ويوجه عمل كل الجهات المعنية بالاقتصاد الوطني. ولتكريس روح الشفافية في بيئة العمل السعودية، يقوم المجلس الاقتصادي بالإعلان عن أهدافه الدورية والقدر الذي تحقق منها.
وفيما يخص توحيد الجهود التنموية، فمن الضروري أن يتم التنسيق بين كل الجهات التي تؤثر على أي من العوامل الاقتصادية. وتستخدم المؤشرات لمراقبة عمل هذه الجهات مثل معدلات السيولة والنمو والتضخم ونسبة البطالة، فلا يتم إقرار سياسة أو نظام إلا بعد التأكد من الأثر الإيجابي على كافة هذه العوامل. وكون مرجعية الرقابة تعود لهذا المجلس سيعزز من فعالية المشاريع التنموية ومصارف الدولة الإنتاجية. فعلى الرغم من مثل هذه السياسة سيزيد من مركزية القرار، إلا أن توحيد المرجعية سيسهم في مكافحة الفساد واستفادة أكبر للمواطنين من النمو الاقتصادي. بل وسيمتد أثر هذه السياسة إلى القطاع الخاص ليرفع من إنتاجية العامل السعودي والاقتصاد ككل. أما الاستراتيجيات الاقتصادية الجديدة فلا بد من أن تخطط لمستقبل الأجيال القادمة على أساس نضوب النفط في أقرب وقت. ولتحقيق ذلك يجب أن تتخلى المملكة عن شيء من سياستها شديدة المحافظة وأن تبدأ بتفعيل مبادرات كشركة سنابل والاستثمار في التقنيات المستقبلية. التحول نحو العالم الأول لابد أن يشمل تطوير الجانب الإنساني كما الاقتصادي، فلابد من تحديث آليات التعليم لزرع بذور جيل جديد قادر على إدارة دولة عظمى.