ما إن قدحت انتفاضات الشوارع العربية شرارتها بالثورة على أنظمتها ابتداء من تونس ثم مصر وصولا إلى ليبيا؛ حتى طفت على السطح مسألة الحياد الإعلامي، وازدادت تساؤلات المراقبين ونقاشاتهم حول مصداقية القنوات العربية الإخبارية المتابعة للتطورات في هذه الدول، وتحوّل المشاهد العادي إلى راصد يحاول قياس مدى تحيز هذه القناة وحيادية تلك.

بالتزامن مع تلك الأحداث، بدا جليا أن هناك قنوات إخبارية أصابها الارتباك، فكانت متخبطة ومهزوزة في تعاطيها، وظهر تناولها لنبض الشارع بشكل ضبابي، وكأنها كانت تحاول الاتزان.

إن القول بتصنيف قناة إخبارية ما، واتهامها باللا حياد أو سعيها لخدمة أهداف معينة على حساب الطرح الجيد لم يعد خافيا على أحد، بل إن ذلك - بشكل أو بآخر - قد يكون معلنا على القنوات ذاتها، أو من خلال الدولة التي تحتضن تلك القناة على أراضيها، وغير ذلك.

وبالتأكيد أن لكل قناة أهدافا - قد تكون غير معلنة - تسعى لإيصالها، ولكن يجب أن نعترف أيضا بأنه لا توجد جهة إعلامية عربية بل وعالمية تستطيع أن تكون مستقلة بذاتها وقادرة على أن تستمر بمنأى عن التأثير عليها، ففرض التنازلات على حساب المصداقية والنزاهة والحيادية هو أمر ملموس للجميع - خاصة في الحالة العربية - وذلك للأسباب السابقة.

رضينا أم أبينا، فإن إعلامنا العربي مقيّد، ولا توجد له آلية تحول بينه وبين الرضوخ للضغوط الخارجية، وبالتأكيد فإن ذلك يأتي دائما على حساب المشاهد. إنه مأزق الإعلام العربي، وكبرى معضلاته.

إن الحديث عن قنوات حيادية هو أمر أشبه بالخيال، فما يمكن الحديث عنه فقط؛ هو نسبة ذلك الحياد، لا الحياد ذاته.