لا توجد منطقة أو مساحة على سطح الكرة الأرضية في منأى ومأمن من الزلازل، ولكن نسبة شدة الزلازل وعددها تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى، وهذا الأمر لا يمكن فهمه إلا بالتطرق إلى نظرية تكتونية الألواح Theory of plates tectonics التي نادى بها عالم المناخ الألماني الفرد واجنر عام 1910، وفي أبسط معانيها تنص هذه النظرية على أن القشرة الأرضية تتكون من ستة ألواح صخرية كبيرة، بالإضافة إلى عدد من الألواح الصغيرة ، تتحرك في ثلاث صور مختلفة، فهي إما تتحرك جنبا إلى جنب على هيئة صدوع ناقلة transform fault boundaries أو أنها تتصادم وتتناطح بعضها ببعض Convergent boundaries أو أنها تتباعد عن بعضها البعض Divergent boundaries. ولكن ما هي القوة الجبارة القادرة على تحريك هذه الصفائح ( الألواح) الذي يصل وزن أصغرها آلاف آلاف البلايين من الأطنان ؟ باطن الأرض كما يعلم الجميع مكون من الصهير Magma ويتكون هذا الصهير بصورة أساسية من عنصر الحديد وجزء بسيط من عنصر النيكل، هناك تفاوت وعدم تجانس كبير بين درجة حرارة هذا الصهير حيث تبلغ أكبر قيم له في جوف الأرض Inner core وتقل كلما ابتعدنا عن جوف الأرض، هذا التفاوت والتجانس في درجات الحرارة يخلق نوعا من التيارات الصاعدة والهابطة في شكل دوائر تعرف بتيارات الحمل، يصاحب تكون هذه التيارات قوة جبارة وعظيمة قادرة على تحريك هذه الألواح وفق اتجاهات معينة يحددها اتجاه تيارات الحمل، (تخيل الوضع كتيارات متصاعدة من قدر الطبخ أو كفتيرة الشاي). ومما يسهل حركة هذه الألواح ارتكازها على الصهير اللدن. ولتبسيط الموضوع أكثر تخيل أخي القارئ هذه الألواح الصخرية العظيمة كلوح من الخشب يطفو على سطح الماء!!.

ومن أهم هذه الألواح لوح المحيط الهادي، اللوح الأوروبي الآسيوي، اللوح الهندي الأسترالي، اللوح العربي، اللوح الأفريقي والعديد من الألواح الأخرى. كارثة الزلزال الأخيرة التي حدثت في اليابان والتي بلغت قوتها 8.9 درجات على مقياس رختر، حدثت من تصادم صفيحة المحيط الهادي مع الصفيحة الآسيوية الأوروبية، وهذه المنطقة تعرف بمنطقة حلقة النار وتضم جميع الدول الواقعة على المحيط الهادي وتشمل جميع سواحل أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية والصين والفلبين والأرخبيل الإندونيسي ونيوزيلندا وأستراليا، وعلى حلقة النار تحدث وحدثت أعنف أنواع الزلازل, منها على سبيل المثال لا الحصر الزلزال الذي حدث في تشيلي عام 1960 والذي بلغت قوته 9.5 درجات على مقياس رختر. أيضا في عام 2010 تعرضت تشيلي لزلزال آخر بلغت قوته 8.8 درجات على مقياس رختر. في عام 1961 تعرضت ولاية ألاسكا الأمريكية لزلزال مدمر بلغت قوته 9.2 درجات على مقياس رختر. في عام 2004 تعرضت جزيرة سومطرة قي الأرخبيل الإندونيسي لزال مدمر بلغت قوته 9.1 درجات نجم عنه أمواج تسونامي عصفت بجميع الدول الآسيوية والأفريقية المطلة على المحيط الهندي. وأخيرا وليس آخرا الزلزال الذي تعرضت له اليابان والذي بلغت قوته 8.9 درجات على مقياس رختر. مثل هذه الزلازل القوية والمدمرة لا تحدث في أية بقعة في العالم سوى في منطقة حلقة النار الآنف ذكرها. ولكن ما هي الميكانيكية المسببة لحدوث مثل هذه الزلازل العنيفة؟ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة ولكن أحاول أن أبسطها ما أمكن ذلك. فمن المعروف أن هناك نوعين من القشرة التي تغطي سطح الكرة الأرضية، القشرة الأولى هي القشرة المحيطية التي تمثل قاع المحيطات، وقشرة أرضية أخرى تعرف باسم القشرة الأرضية، وهي التي تمثل سطح الأرض وما عليه من جبال ووديان وهضاب..الخ. ومن الطبيعي أن تكون القشرة القارية (الأرضية) أسمك من القشرة المحيطية، وعندما تتصادم هاتان القشرتان كتصادم القشرة المحيطية للمحيط الهادي (لوح المحيط الهادي) مع القشرة الأرضية الممثلة للوح الأوروبي الآسيوي، فإن الغلبة تكون للقشرة القارية، نظرا لكونها أكثر سماكة وأكبر وزناً، فتنزلق القشرة المحيطية الضعيفة نسبيا إلى جوف الأرض وتعرف منطقة الانزلاق هذه بمنطقة الاندساس Subduction zone ، وأثناء هذا الانزلاق تتكون الزلازل والبراكين المدمرة. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة والذي حير علماء الجيولوجيا لعقود طويلة، هو لماذا لا يتلاشى المحيط الهادي نتيجة لاندساس أو انزلاق صفيحة المحيط الهادي إلى جوف الأرض؟ ولماذا تظل مساحته السطحية ثابتة دون تغير نتيجة لحدوث عملية الاندساس المتواصلة؟ وهناك أيضا سؤال آخر أيضا حير علماء الجيولوجيا لسنوات طويلة، و هو عن كيفية حدوث الزلازل والبراكين في جزر وسط لوح المحيط الهادي مثل جزر هاواي وجزر جوام بعيدا عن منطقة الاندساس. سؤال آخر يتعلق بمنطقة الحجاز وهو كيف تكونت وتتكون الزلازل والبراكين على طول الحجاز، رغم عدم وجود منطقة اندساس في منطقة الحجاز؟ وهناك الكثير والكثير من الأسئلة بعضها متعلق بحلقة النار والبعض الآخر متعلق بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة منطقة الحجاز!! فإلى لقاء.