يعكس الأمر الملكي الذي وجه وزيري التجارة والصناعة والعمل للاجتماع برجال الأعمال لوضع خطة عمل لرفع نسبة السعودة في القطاع الخاص الدور الرئيسي الذي يلعبه القطاع الخاص في خلق الوظائف وتخفيض نسبة البطالة. ويشكل القطاع الخاص مع صندوق الضمان الحكومي للمشاريع الصغيرة المزمع إنشاؤه استشرافاً للمستقبل القريب، والذي ستتغير فيه تركيبة الوظائف في المجتمع السعودي مع تزايد أعداد السعوديين الباحثين عن العمل لتصل إلى ضعف العدد الحالي في أقل من 20 عاماً. فهناك ما يقارب 4 ملاين سعودي ضمن قوى العمل اليوم، يعمل أكثر من 65% منهم في القطاع العام. وهذه النسبة لابد أن تنخفض مستقبلا كون القطاع العام لا يستطيع إضافة أكثر من مليون وظيفة جديدة، وبذلك سيتعين على القطاع الخاص، الذي يوظف ما يقارب 1.5 مليون عامل سعودي أن يتضاعف أكثر من مرتين ليستوعب 5 ملايين موظف عام 2030.
والتوجه الواضح في هذه الأيام لحل هذه المشكلة هو المزيد من الضغط على القطاع الخاص لرفع نسبة السعودة. ولكنني لا أتوقع أن يؤدي هذا الضغط إلى نتائج واقعية وملموسة تساهم في نهضة البلاد، فمعظم شركات القطاع الخاص الكبيرة كالمصارف و"سابك" و"أرامكو" لديها نسب سعودة مرتفعة تصل إلى أكثر من 80%، ولا توفر أكثر من 200 ألف وظيفة. ولذلك فإن التغيير الحقيقي سيأتي في مستويات الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي توفر المليون وظيفة المتبقية، ولكنها في الوقت نفسه تخفض معدل السعودة إلى أقل من 25%.
ولا يمكن تغيير الوضع القائم بين يوم وليلة وفرض إحلال العمالة السعودية مكان الأجنبية وتغيير نموذج العمل الذي تعتمده مؤسسات وشركات القطاع الخاص، فأي نشاط تجاري يهدف إلى الربح أولا، وإذا انتفت فرص الربح، عن طريق رفع تكلفة العمالة أو انخفاض مفاجئ في الإنتاجية، سيتحتم على صاحب النشاط إغلاقه للحد من الخسائر. ولذلك، فإنه من الضروري اتباع استراتيجية تهدف لدعم قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وخصوصا الناشئ منها. وأهم ما يحتاجه القطاع الخاص للنمو هو تدفق الائتمان والسيولة. ويمكن الاستفادة من القنوات القائمة حاليا لتقديم القروض، وهي المصارف التجارية القائمة وتشجعيها على إقراض هذه المنشآت لتمكينها من التوسع، إضافة إلى فتح أسواق المال أمام تلك المنشآت لتسهيل تأسيسها، وأخيرا دعم تأسيس لصناديق رأس المال المغامر، حيث إنها ستساعد في أن ترى الكثير من الأفكار المبدعة النور. وهذه الاستراتيجية ستساعد على خلق المزيد من الوظائف عالية الرواتب، والتي ستشجع السعوديين على التوجه إلى القطاع الخاص وتنويع مصادر الدخل، إلى جانب زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي.