كيف تنطلق شرارة النص (مقالاً، شعراً، قصة ، مسرحية ، رواية .. إلخ)؟ ربما يعن سؤال كهذا على ذهن أي كاتب، ناشئا كان أم متمرسا، ذلك أن الكتابة آماد مفتوحة لا يمكن القول جزما بحدود نهائية لها، فهي ليست شيئا علميا يؤمن بالقطع الحدي.

في النص الإبداعي ليس ثم لحظة معينة تستطيع تحديدها أبدا، لكن يمكن وصف بعض ملامحها. ربما شعور طاغ بالفرح يملؤك، رغم أنك قد تكون في قمة الطفش، لكن بهجة الكتابة تبدد كل النزق، لتبدو أسعد مخلوق حال فراغك من سكب الشحنة الإبداعية التي حار الراسخون في الإبداع من أين تأتي.

قد تكون حياتك كلها تقريبا استغراقا في النص وملاحقة شراراته، شرارة النص لحظة متعة عارمة وهائلة لدى المبدع، بقدر ما هي سريعة التحلل والتفلت، وسريعة الانطفاء كنشوة، بعد الفراغ من سكبها كنص أو مقدمات نص.

لا أعرف للكتابة فلسفة عندي، أظن أنه ليس من فلسفة للمتعة واللذة. ربما كل ما أعرفه أن الكتابة خباء جميل، تمترس خلفه لإطلاق رصاصات تحيي. الكتابة صدق، وربما نحن خلقنا لممارسة الصدق خلف خباء!

ربما طبيعة الحياة العربية وأنماط الثقافة فيها، وإقامة اعتبار لنسب الأمية ومستوياتها في العالم العربي، وكثرة التابوهات، تفضي ببعض المبدعين إلى ارتباكات أفق والتيه في مسارات وعي متداخلة ما بين وعي سطحي، ووعي زائف، ووعي دعي، وطروحات كثيرة نقيضة المنطق.

لكن المؤكد لدى البعض ممن يحترم رهبة الكلمة، وقدسية الكتابة، أنه كلما علا القبح تمترس في خندقها، رافضا الهبوط بها لسوق النخاسة، كي لا تصير عباراته أشبه بجارية يقلبها المشترون كيفما شاؤوا .. هكذا أتصور، لكن على الأرجح، أنني لا أدري.

لكن الذي أخمنه أن ما باغتت به السنة الحالية العالم العربي، مؤكد أنها أربكت قوانين ومعايير الكتابة والإبداع، ومؤكد أنها مثلت مرحلة مفصلية في درب الكتابة، مما يجعل الصمت العميق والتأمل للمبدعين في الاتجاهات كافة أمرا مقبولا، حتى يمكنهم استيعاب هذه اللحظة التاريخية التي انطلقت شرارة مختلفة منذ أن أشعل البوعزيزي، جسده، ومضى مبقيا النار تشتعل في بقع متناثرة من عالمنا، بجنون مرعب، يصوره بعض المراقبين على أنه كان مؤجلا للحظته، لحظة اختارها القدر حتما.