تكاد السينما العالمية تكون جزءا لا ينفصل عن حركات التطور والتغيير لدى الشعوب، ولو عدنا إلى السينما الجادة، لوجدنا تداخلا بين السينما والسياسة.. لينطلق التساؤل: كيف تتم الاستفادة من هذا التداخل لصناعة التغيير في المجتمع؟.

في النصف الثاني من القرن العشرين يتصدر المخرجان بازوليني وفيلليني السينما الإيطالية والعالمية بامتياز من خلال رؤيتهما التي تحاكي الواقع وتبحث عما يجب أن يكون. ولعل المفارقة التي تستدعي الحديث عنهما اليوم هي أن بعض أفلامهما تشكل حالة مشابهة لما يحدث في بعض البلدان العربية من ثورات شعبية أطاحت بأنظمة بسطت سيطرتها مدة طويلة على شعوبها.

أذكر أني حضرتُ عام 1982 مهرجان السينما الإيطالية الذي استضافته سينما الكندي في حلب، ومن أهم أفلامه التي ما زالت عالقة في الذاكرة فيلم "بروفة أوركسترا" للإيطالي المبدع فريدريكو فيلليني (أخرجه عام 1978)، وفيه يستخدم لغة الرمز للوصول إلى مفهومي الظلم والحرية من خلال فرقة ومايسترو وآلات موسيقية ومعزوفات، إذ يتداخل النظام الدكتاتوري والدكتاتور بالشعب، والتمرد بالقمع، والفوضى والتحطيم بعدم الاكتراث.. لتظهر صورة الانحدار الأخلاقي والقيمي والسياسي. وحين يصل الشعب إلى ذروة تمرده يكون الدكتاتور صامتا، وحين يتعب شعب "العازفين" من تكسير "الآلات الموسيقية" التي يأكل من عزفه عليها، يصرخ الدكتاتور مخيفا إياهم، فيحمل كل منهم آلته، وما إن يصدر الأمر ببدء العزف، حتى تنطلق الموسيقى من آلات محطمة ونفوس مقموعة.

في "بروفة أوركسترا" يرى فيلليني أن الشعب إذا ثار بشكل فوضوي غير منظم لتغيير واقعه، فإن دكتاتورا بحجة الإنقاذ سيخرج من رحم تلك الفوضى، ليقمعه من جديد.

وفي فيلم "المسيح في إنجيل متى" الذي أخرجه الإيطالي بيير باولو بازوليني عام 1964 يبدو المسيح في حالة ثورية، وهو يمشي في أحياء إحدى المدن ليدعو الجماهير للكفاح والتمرد لتحسين أحوالها وتغيير أوضاعها البائسة..

بالإضافة إلى فيلليني وبازوليني هناك أسماء أخرى وظفت السينما من أجل التغيير. والتغيير ليس بالضرورة أن يكون تغييرا في واقع هذا البلد أو ذلك، بل ربما يكون في الصورة، ولعلّ أفلام الراحل مصطفى العقاد تندرج ضمن هذا الإطار..

ما كان يميّز فريدريكو فيلليني وبازوليني أنهما لم يكونا مخرجين سينمائيين فقط، بل مفكرين ومؤلفين وصاحبي رؤية مستقبلية، ما جعل كل منهما حالة نادرة في تاريخ السينما.