إذا كان طه حسين قد وضع كتاباً بعنوان "المعذبون في الأرض"، فإنني أقترح أن يؤلف السعوديون على منوال طه حسين كتاباً عنوانه "السائحون في الأرض". وقد وضع السعوديون الخطوط العريضة والفصول الدقيقة للكتاب عملياً، من خلال إدمانهم السفر. وإذا كان اليهود يظنون أنهم شعب الله المختار، فنحن بلا منازع شعب الله "المسفار"، الذين ننفق الأموال الطائلة في كل إجازة يمكن استغلالها في زرقة للخارج!

ينفق السعوديون بلا فخر، أكثر من خمسين مليارا على السفر إلى الخارج، حتى بدا للعبد الفقير إلى الله أن بداخل كل سعودي سندبادا، يهوى الترحال والسفر. بعض الشباب يدير محرك سيارته ويذهب مع كل إجازة سائحاً في الداخل أو في الخارج، مع كل هذا العشق للسياحة لا تزال جاذبية السياحة الداخلية محدودة. ولا أدري بالضبط ما السبب، هناك رغبة لدى السعوديين حتى المحافظين منهم لتفضيل الدول الأخرى على المكوث في الداخل، ليست العائلات المنفتحة الباحثة عن الحريات فقط هي التي تغادر إلى مدنٍ أخرى، بل حتى المحافظون يذهبون إلى ماليزيا ودول الخليج وإلى مختلف المدن في شتى القارات!

الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار يقول قبل أيام "على الرغم من ازدياد السياحة داخل السعودية، فإن السعوديين سيستمرون بالتوجه إلى السياحة بالخارج، ما لم يتم تطوير سياحة وطنية، تنافس الجهات الأخرى خارج البلاد، السياحة الوطنية مشروع اقتصادي كبير، ومشروع ثقافي مهم، ومولد كبير ورئيسي لفرص العمل، لذلك فالمواطن هو المستفيد الأول من هذه النشاطات".

السياحة ليست مشروعاً يبنى بالأسمنت، بل إن السياحة لها متطلبات اجتماعية وثقافية، والمجتمع لا يمكنه أن يتقبّل الأفكار السياحية المطبّقة في بعض الدول الأخرى بسهولة، ما لم يتم التخفيف من حدة الأنظمة المانعة لسهولة الترفيه. وبخاصةٍ تلك الحدود المبنية على اجتهادات بشرية، مثلاً حين يكون البلد بأكمله ليس فيه أبجديات التسهيل السياحي فإن اللجوء إلى سياحة الخارج أفضل.

أحد الآباء يشتكي فهو وبعد أن جهّز أغراض عائلته متجهاً بها إلى مدينة الترفيه رفضت أن يدخل ابنه الذي يبلغ سنه ثلاثة عشر عاماً، هذا الطفل منع من مشاركته لعائلته الفرحة والبهجة واللعب، مثل هذه الأنظمة وهذا التضييق الصغير هو الذي يشوّش على السعوديين، لهذا "يشترون دماغهم" بالسفر إلى دولة خليجية مثلاً، و "لا من شاف ولا من دري"، وتذهب الخمسين مليارا إلى دول العالم ومدنه، حتى نشتري أدمغتنا، ولا يبقى من سياحة الداخل إلا رسمها!