مشاعرنا هي الدافع الأساسي الذي يحركنا نحو الحياة، وهي تتولد داخل عقل الإنسان من ترجمة المؤثرات الخارجية. هذه الفكرة تجعلني أتصور بأن هناك نوعين من الشعور، شعور إنساني مشترك بين البشر بغض النظر عن الجنس واللون والثقافة وآخر محلي وليد المساحة الجغرافية والثقافة السائدة فوقها. فمشاعر الأمومة حيث الحنان والعطاء والإيثار هي إنسانية عالمية مشتركة لم تنجح أية ثقافة في تغييرها وإن نجحت بعض الثقافات في التلاعب بها، ففي بعض الحضارات القديمة كانت الأم تعطي وليدها كأضحية للآلهة.
أما المشاعر المحلية بالمقابل فهي صناعة بشرية لا يولد بها الإنسان، بل تخلقها الثقافة السائدة لأسباب عديدة تتأثر بالصراعات داخل المجتمع بحيث قد تخدم مصالح أو رغبات فئات معينة. وعادة من يغرسها في نفس الإنسان هما الوالدان ثم المعلمون والقادة الخ.
فمثلا الشعور بالتأنيب الذي قد يحسه الهندوسي الصالح بمقاييس ثقافته لو تناول قطعة لحم بقري هو شعور ليس عالميا ولا يراود الإنسان العادي. وبتصوري لو تحول إنسان بالغ للديانة الهندوسية ولم يكن قد تربى عليها، فعلى الأرجح عند تناوله قطعة من لحم البقر قد يدرك أنه خالف مبادئ ديانته الجديدة، لكن من المستبعد أن يشعر بوخزة أو بحرقة تأنيب الضمير الذي يعذب الإنسان الذي تربى على مفهوم التحريم الديني.
ومن المشاعر المخلقة ثقافيا هي الغيرة على الشرف، ولا أعني بها الغيرة على شريك الحياة الذي يكاد يكون مشتركا بين الثقافات، بل أعني به الشعور بالغيرة على القريبة الأنثى كالأخت وبنت العم والخال من قبل الأخ والعم والخال وابن القبيلة وابن الحي، أو كما يردد ابن الحي في مصر معللا تدخله في شؤون جارته "دي بنت حتتنا". هذا الشعور ليس عالميا ولا يولد به الإنسان، بل تتم صناعته داخل نفس الرجل منذ الصغر بطريقة التكرار والتلقين، بل ويتم تسفيه من لا يشعر به ونبذه من إطار القبول الاجتماعي.
وقد يتم تعميق الشعور بالغيرة على الشرف ليصل لمستويات الخوف من وعلى المرأة في الأسرة، فتصبح نقطة ضعف الرجل، وثغرة يمكن أن تخترق أمانه إذا ما أقامت علاقة غير مشروعة. مما يجعل الرجل يحد من حرية المرأة ومن الفضاء الفكري والجغرافي المتاح لها.
أخيرا فكرة أن الشعور يتم تخليقه ثقافيا قد تدفعنا للنبش وراء جذور مشاعرنا ومعرفة كنهها واحتواء السلبي منها أو المؤلم والسيطرة عليها وإبطال مفعولها أيضا.