هناك فرق كبير بين الحوار وبين النصيحة!


الحوار فيه ندية، طرف تجاه طرف موازٍ آخر، وفيه مفاعلة، بمعنى أن هناك تلاقحا فكريا متبادلا، وهو يتضمن بالتأكيد المثاقفة والتواصل بين طرفين يتجهان في حوارهما إلى إنارة الطريق للآخر. الحوار يختلف عن المناظرة ، لأن المناظرة هي سجال بين حقّين، وكلٌ يريد أن ينهي المناظرة لصالحه، فهي تشبه المبارزة، فيها طرف رابح وآخر خاسر. الحوار على العكس، هو تلاقح فكري، لا يشترط أن يصل إلى اهتداء طرف لرأي الآخر، ربما وجدوا من خلال الحوار بعض المشتركات؛ أو ربما أضاء الحوار للطرفين بعض المناطق المنسية في مجال التحاور. هذه هي ميزة الحوار وخاصّيته.


كلمة الملك قبل أمس ـ في منتدى تحالف الحضارات الثالث، الذي انطلق الجمعة في العاصمة البرازيلية ـ كانت حاسمة، استعرض في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل رعاية المملكة للحوار الداخلي أو الخارجي، وأكد أن: "ثمة جهودا تبذل لتأسيس مركز عالمي للحوار يضم ممثلين عن جميع الأديان الأساسية، ويعمل بكل استقلالية بمعزل عن أي تدخلات سياسية". إن تشديد الملك على أن "السعودية أنشأت مركزاً وطنياً للحوار تشارك فيه جميع مكونات المجتمع السعودي"، وأنها "تواصل سياسة نشر الثقافة الحوارية وقد أخذت على نفسها التواصل بين الحضارات والثقافات"، ولفته إلى ضرورة "تعزيز التعايش والتفاهم وإشاعة القيم الإنسانية كمدخل لإحلال الوئام محل الصدام، وهو ما يساعد على تخفيف حدة التوترات ونزع فتيل النزاعات وتحقيق الأمن والسلام"، يجعلنا نقف أمام أصحاب الفتاوى التكفيرية، والآراء الأحادية، موقف المستنكر لمواقفهم المناقضة لتوجهات البلاد التي يعبر عنها الملك عبدالله.


قلتُ: وهذا المفهوم المطروح هو المفهوم المعاصر للحوار، الذي يتجاوز النصيحة والمناظرة، وإنما يدخل في مجال الندّية بين طرفين لديهما الشروط المشتركة لبدء الحوار. صحيح أن الطريق طويل أمام المجتمع ليتجاوز مرحلة عبودية الأستاذ، ووثوقية الرأي الواحد، إلى الندية مع الأستاذ والدخول في حوارٍ معه، ورحابة التعددية، لكن البدء بطريق الألف ميل إنجاز بحد ذاته. آن الأوان أن يكون الحوار خبزاً يومياً، وأن ننتهي من ثقافة التنافي والتناهي والوصايات والنصائح، وأن ندخل إلى مجال الحوار الأرحب.


الحوار هو الملاذ الوحيد للعالم، هو الطريقة الرئيسية التي يمكن أن ينتصر بها أيّ مجتمع على التحديات الإثنية وعلى الفروق البينية. وهذا ما أشار إليه الملك في كلمته الواضحة كل الوضوح.