تحدثت منذ أسبوعين على صفحات هذه الصحيفة عن ميكانيكية حدوث الزلازل والبراكين المدمرة في منطقة حلقة النار المحيطة بمنطقة المحيط الهادي، نتيجة لتصادم كل من الصفيحة القارية المعروفة باسم الصفيحة الأوروبية الآسيوية وصفيحة (لوح) المحيط الهادي التي تمثل تقريبا جميع مساحة قيعان المحيط الهادي، والتي تساوي تقريبا 75 ضعف مساحة المملكة العربية السعودية، فتخيل أخي القاري حجم القوى الناتجة عن تصادم مثل هاتين الصفيحتين الجبارتين!!

وطرحت أيضا في ذلك المقال ثلاثة أسئلة تتعلق بميكانيكية تكوين الزلازل والبراكين في كل من حلقة النار ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة المملكة العربية السعودية، وكان السؤال الأول متعلقا بميكانيكية انزلاق أو اندساس Subduction صفيحة المحيط الهادي إلى أسفل جوف الأرض نتيجة لتصادمها مع الصفيحة القارية المعروفة باسم الصفيحة الأوروبية الآسيوية، فإذا كان هذا الانزلاق والاندساس لصفيحة المحيط الهادي إلى جوف الأرض يحدث بصورة متكررة فلماذا لم يتلاشَ المحيط الهادي على مر الدهور والعصور الجيولوجية الغابرة؟ هذا السؤال حير علماء الجيولوجيا لسنوات طويلة!! ولكن قبل الإجابة عليه يجب أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بقدر وباتزان علمي وجيولوجي وبيئي فريد من نوعه، يدل على عظمة الخالق! لا شك أن التصادم بين الصفائح المحيطية الممثلة لقيعان البحار والمحيطات والصفائح القارية، يودي إلى اختزال واضح في قيعان هذه المحيطات نتيجة لانزلاق جزء من هذه القيعان إلى جوف الأرض. حدود هذا التصادم تعرف في علم أساسيات الجيولوجيا التاريخية بالحدود الهدامة Destructive boundaries، ولكن على الرغم من عمليات الاندساس المتكررة، إلا أن مساحة قاع المحيط الهادي تظل ثابتة، والسبب في ذلك يعود إلى أن هناك عمليات بناء موازية لعمليات الهدم تتم في قيعان المحيطات، يطلق عليها اسم الحدود البناءة، Constructive boundaries تنتشر على طول قيعان المحيطات والبحار، يطلق عليها اسم الهضاب المحيطية Oceanic Ridges وتمتد هذه الهضاب المحيطية إلى أعماق سحيقة متصلة على طول المحيط الأطلسي و يستمر امتدادها حتى المحيط الهندي والمحيط الهادي، وإليها تعود نشأة وتكوين البحر الأحمر في العصور الجيولوجية الحديثة، وعند هذه الحدود البانية تتوسع قيعان البحار والمحيطات، ويخرج من جوفها حمم البراكين بنفس حجم وكمية ما اندس وانزلق منها في منطقة المحيط الهادي. وبمعنى آخر، ما التهمه جوف الأرض من قاع المحيط الهادي عند الحدود الهدامة يعود ويظهر مرة أخرى عند الحدود البناءة في نفس المحيط !! فسبحان الله الذي خلق كل شيء بقدر!! وهناك نقطة علمية جديرة بالذكر، وهي أن هناك تحركا واضحا للجزر والقارات من مواقعها الجغرافية نتيجة لعملية الاندساس المتكررة، فالزلزال الذي حدث في الأرخبيل الإندونيسي في عام 2004 وكانت قوته حوالي 9.2 درجات على مقياس ريختر تسبب في تحرك الأرخبيل الإندونيسي مسافة تتراوح ما بين 10 إلى 20 مترا عن موضعه، كما أن الزلزال الذي حدث أخيرا في اليابان تسبب في تحريك جزر اليابان بمقدار 10 أمتار عن موضعها الأساسي، الزلزال الذي حدث في تشيلي عام 1960 وبلغت قوته حوالي 9.5 درجات على مقياس ريختر حرك أميركا الجنوبية بمسافة تتراوح ما بين 10 إلى 15 مترا، التحرك لمثل هذه القارات والجزر والأرخبيلات، لا شك أنه غيّر من درجة ميل محور الأرض على مستوى دورانها، الأمر الذي يغير من وضع قطبي الأرض، وهذا ما يعرف بظاهرة التجول القطبي Polar Wandering وهذه الظاهرة حدثت عدة مرات في تاريخ الأرض الجيولوجي. ويذكر الخبراء أن ميل محور الأرض صوب الشمس سيتسبب بالضرورة برفع درجة حرارة الغلاف الجوي، الأمر الذي سيزيد من التطرف المناخي العالمي! فكان الله في عون مدينة جدة!!. في البحر الأحمر الحدود البناءة الممتدة على طول الهضاب المحيطة التي على طول القاع الأوسط للبحر الأحمر، هي المسؤولة عن اتساع قاع البحر الأحمر بمعدل يتراوح ما بين 2-3 سم في العام الواحد، هذا الاتساع يدفع بالصفيحة العربية تجاه الشمال الشرقي، كما يدفع الصفيحة الأفريقية في اتجاه الجنوب الغربي، الصفيحة العربية أثناء تحركها في تجاه الشمال الغربي، تتناطح مع الصفيحة الإيرانية، وهنا لا يحدث أي اندساس أو انزلاق لأي من الصفيحتين (لذا أكاد أجزم أن الزلازل في منطقتنا من النادر جدا أن تتجاوز قوتها 7 درجات على مقياس ريختر)، فالصفيحتان العربية و الإيرانية صفيحتان قاريتان (أرضيتان) متماثلتان في القوة تقريبا، التناطح بينهما تسبب منذ أكثر من 6 ملايين عام في انبعاج لسطح الأرض إلى الأعلى، أدى هذا الانبعاج إلى تكون جبال زاجروس، الضغط المستمر من الصفيحة العربية على الصفيحة الإيرانية يتسبب في ارتفاع سلسلة جبال زاجروس بمقدار 2 سم في العام الواحد، تماما كما يحدث من ارتفاع لجبال الهملايا بمقدار 3 سم في العام الواحد نتيجة لتصادم القارة الهندية مع القارة الأوروبية الآسيوية. المقام لا يسمح بالمزيد، والحديث موصول في المقال القادم مع تصادم القارات.