بعيداً عن أحدث تقليعات العريفي ضد الصحفيين والكتاب مخوناً أماناتهم، ومعرضاً بأعراضهم، ومشككاً بأخلاقهم ووطنيتهم، إلى نقل صورة واقعية عن أفكاره من خلال برنامجه الجديد "بقراطيسه" في قناة دبي، ذي العنوان الرومانسي البعيد عن أدنى بدهيات الرومانسية "قلبي معك" ولتوضيح الصورة وأبعادها، ليس أصدق من البرامج الأثيرية لسبر أعماق شخصيات كهذه..

لست من هواة البحث عن عثرات وعورات لكن ما أذاعه هذا الرجل يجعل من الحري بأي ذي عقل أن يطالب بمنع هذا الرجل من العبث بالإنسان، وهو يبث حديثاً أثيرياً يصطدم بقناعات أصحاب المهج السليمة والنفوس الفاضلة؟!

بعد مرور أكثر من نصف برنامجه "قلبي معك" الحلقة الأولى، كلّمته إحداهن تشتكي أن أخاها يتحرش بابنته، وما إن ألقت جملتها وكانت تريد توضيح الأمر أكثر، إلا وقاطعها قائلاً: خلاص خلاص وضحت الصورة سأجيبك، ليستلم مكالمة وأخرى وأخرى، وكأن ما قالته أمر لا يفارق مأثور الأسئلة الدائمة عن المسح، والصبغة، وطلب الدعاء من ذي القداسة، ثم جاء رده طامة كبرى أدهى من أي تصور وأبعد عن أي خيال.

"سارة تشتكي من أن أحدهم يتحرش بابنته، لاشك أن هذا نوع من الشذوذ ونوع من الفاحشة"، فقط هذا تعليقه على هذا الأب المجرم بكل الشرائع وبكل المعايير الإنسانية بل والبشرية عامة، بينما صب جام غضبه على الضحية التي لم يسأل لا عن عمرها ولا عن وضعها الآن، وكيف تعيش مع أب فارقت العواطف الإنسانية روحه وسقطت في براثن غيه وضلاله، بل لبّس الفتاة دروع التوقي وقدم لها حلولاً أوهى وأشد جرماً من تعاليله التي أعذر من خلالها الوالد الحقير لمن هي منه فلذة كبده، يقول:

"وينبغي على البنت ألا تلبس لباسا فاضحا أمام أبيها، ياجماعة فيه بنات تكون في شبابها وجسمها جميل أحيانا ونحو ذلك، وتلبس لباسا ضيقا من البنطلونات والبلايز القصيرة وتخرج إلى أبيها، برضو أبوها شاب ربما فتن بابنته، وربما إذا سلم عليها أو قبلها أو ضمها ربما أن الشيطان يؤزه لبعض الأمور، فأنا أدعو مثل هذه البنت وغيرها إذا كانت في مرحلة شبابها ألا تلبس لباسا سيئا أمام أبيها، أو ربما أبرزت شيئا من ثديها، أو نحو ذلك بناء على أنه أبوها"، ثم يرفع من عيار نبرته مدافعاً عن فطرة خبيثة قذرة "لكن يبقى أن هذا الأب شاب" فلا يجوز لها أن تلبس اللباس الضيق، والأمر الثاني لا تخلو بأبيها ولا تجلس معه في غرفة لوحدهما، إنما تحرص أن تكون أمها موجودة أو أحد إخوانها إلى أن ييسر الله لها وتتزوج".

وانتقل بكل أريحية للرد واستقبال الاتصالات الأخرى التي فجائع حلولها العريفية تظل أقل من الدمار الشامل الذي أحدثه في نفس السائلة عن مكر شيطان خبيث يتحرش بابنته.

ما رأيكم؟ أرأيتم أشد من هذا البعد عن الفطرة التي فطرنا الله عليها، أسمعتم عن تشويه للنفحة الربانية لكل فرد في ذرية آدم أعمق من هذا التشويه، إنه يريد من الفتاة أن تسكن رعبها وتعيش ما بقي من عمرها في خوف وتوخي، وممن؟! من والدها!، ينصحها بلبس الملابس الفضفاضة، وكأن هذا الوالد لم يفض كل العلاقة الحميمة بين أب وفلذة كبده، يريد أن يسجنها في تلابيب التوقي في البيت الذي تعيش فيه مع المجرم الذي ربما لفتت نظر غريزته المريضة بحركة بريئة، أو بلبس ضيق في مخاتلة وجوده غفلة!

تذكرت والدي عليه رحمة الله وتصورت لو كنت أخشاه وأتصور أنه ربما أزته نفسه، فكرهت الشعور ورميت بسفالة التصور التي لم أطقها دقيقة واحدة، وتصورت لو كانت كل فتاة تخشى أباها بل وتلبس ثوباً فضفاضاً اتقاء غريزته، أتصورتم معنى ذلك؟، معناه أن تسقط معاني الأبوة تماما، إذا كنت أخشى التحرش من أبي فكيف سيدفع أبي عني هجوم المتحرش، أم سيعتبر بريئاً لو شارك المعتدي إن برز جزءٌ من بدني فأثاره؟!

أي هبوط أخلاقي يريد هذا الداعية أن يعمقه كأمر طبيعي في نفس تلك الفتاة المحطمة من فعل والدها الخبيث المجرم الشاذ الذي تعاقبه كل قوانين الدنيا، وهو يسبب الأسباب لهمّ والدها بها واشتهائه لها!

إننا أمام مهزلة أخلاقية وإهانة لكل المشاعر الأبوية، تصوروا هذا الحل العريفي مع فتاة بائسة حطم والدها معاني الأبوة داخلها وهز أمانها بوجوده فانقلب خوفاً منه، وهرباً من الانفراد به، أترى يجديها هربها منه بين جدران أربعة؟!

وتخيلوا الأب الذي ترتمي كل واحدة منا في أحضانه عندما تبكي فيمسح على رأسها مطيباً، تخيلوا فقدان اليد والقبلة الأبوية والساعد القوي الحنون، ماذا يفعل أولئك أمام تساؤلات الفطرة السوية؟!، إن العار يستبد إن اهتزت صورة الالتحام الفطري بين الفتاة وأبيها مقدار شعرة، فكيف عندما يسقطها هذا العبث التعليلي السقيم في قاع جهنم الشهوات البذيئة!

تذكرت عندها فضيحة ملحق ثقافي طردته لندن لأنه لم يهتم الاهتمام الكافي لقضية طفلة سعودية كانت تشك معلمتها الأجنبية احتمال تعرضها لتحرش!

وبالمقارنة: يبقى انعدام النفوس الطبيعية لا حل له إلا يد القانون لحماية نفوس الأبرياء من عبث الشياطين.

إن أصح حل من إنسان طبيعي، أن تلجأ الفتاة لمؤسسات الرعاية الأسرية وتطلب الحماية من هذا الوالد الشاذ، وترفع قضية لإلزامه بتأمين المكان الآمن مع أسرتها بعيداً عنه، فليس أهلاً أن يكون رب جدران لا رب نفوس، إضافة للاهتمام بنفسيتها وعلاجها إلى أن يندمل جرحها إن اعتقدنا ـ تجاوزا ـ أنه سيبرأ.

بالإجابة العريفية تسقط كل العلاقات، وتتساوى علاقة الآباء مع أبعد رجل بل وأسوأ رجل، إنه يعمق تزييف الوعي بالعلاقة الطبيعية مع الآباء، عندما ينصح أي فتاة باتقاء أبيها والحذر من لبس الضيق أمامه، ثم يقول وعندما يضمها أو يقبلها ربما يؤزه الشيطان!! إذا كان اللباس يؤز شيطانه، أفلا تكون القبلة أعظم أزاً!!

ثم ما الحل عندما يعذر "بهيمية" الأب إذا كان شاباً؟، أنعزل البنات عن آبائهم حتى يكبروا ويشيبوا، عسى بعدها أن تظن الفتاة بأبيها خيراً؟!

إليكم رابط البرنامج، ولمن لا زال قلبه سليماً، احكم بالعدل؛ أليس يفترض أن يقدم هو للمحاكمة، قبل تهمة تخوين الكتاب، بتهمة "تشطين" الإنسان بتبرير ساحة مغتصبي العاطفة النبيلة "الأبوة"! مجرد سؤال.

http://www.youtube.com/AlarefeTV#p/u/0/8XmqqlQOjD8