في الوقت الذي يتوحد فيه شعب البلد الواحد على وقع أي انتصار كبير، حتى لو كان مجرد انتصار رياضي، إلا أن الوضع اختلف في إسبانيا بعد أن اصطدمت الحكومة الإسبانية عقب تتويج منتخبها ببطولة كأس العالم الأخيرة لكرة القدم في جنوب أفريقيا بمشاعر غير متوقعة ونداءات بالانفصال بدلاً من زيادة الانتماء والوحدة الوطنية، حيث تأججت مشاعر الانفصال لدى أبناء إقليم كاتالونيا دون استثناء.

وهي الحقيقة التي تجسدت في عنوان صحيفة "البيريوديكو دي كاتالونيا" عقب الفوز بالمونديال الجنوب أفريقي، وقالت فيه "الفوز بكأس العالم هو فوز كاتالوني فمتى إذاً الاست.." دون أن تكمل كلمة الاستقلال.

كما صدرت صحيفة "الموندو ديبورتيفو" الكاتالونية فى أعقاب فوز منتخب الماتادرو باللقب العالمي بعنوان رئيس كتبت فيه" لم يكن أحد يستطيع إحراز هدف الفوز بالمونديال سوى أنيستا كابتن برشلونة الكاتالوني".

وقد امتلأت المدينة بعد الإنجاز التاريخي بصور تظهر لاعبي برشلونة كارلوس بويول وتشافي هيرنانديز وهما يلوحان بعلم كاتالونيا فوق الكأس الذهبي للتعبير عن فرحتهما الغامرة بالفوز بالمونديال بدلاً من التلويح بعلم أسبانيا.

واعتبر المؤيدون لانفصال إقليم كاتالونيا عن إسبانيا أن مساهمة لاعبي برشلونة بنصيب الأسد فى الفوز بالمونديال يبرر بشكل أكبر لأبناء الإقليم مطالبتهم بالانفصال عن إسبانيا بوصفهم الأكثر مهارة فى الرياضة مثلما هم الأكثر تميزاً في جميع المجالات الأخرى، فى وقت ترفض فيه الحكومة المركزية بمدريد تقديم أي تنازلات في هذا الصدد أكثر مما يتمتع به الإقليم الكاتالوني حالياً من حكم ذاتي واسع النطاق.

واندلعت شرارة تأجيج الروح الانفصالية لدى أبناء إقليم كاتالونيا بعد فوز إسبانيا بمونديال 2010 من الصحافة الصادرة فى الإقليم المكون من أربع مدن إسبانية كبرى هي برشلونة وجيرون وليادة وتاراجون.

ويعد فريق برشلونة الذي ساهم سبعة من لاعبيه في فوز إسبانيا بالمونديال بمثابة شعار التميز الكاتالوني ونقطة التقاء مشاعر العديد من الزعماء الانفصاليين الكتالونيين المعارضين للحكومة المركزية بالعاصمة الإسبانية مدريد. وساهم تفوق فريق برشلونة على ريال مدريد نادي العاصمة الملكي خلال السنوات الأخيرة في زيادة مشاعر الانفصال لدى بعض أبناء إقليم كاتالونيا الذي يتحدث اللغة الكاتالونية قبل اللغة الإسبانية.

وكان نهائي كأس ملك إسبانيا بين برشلونة ونادي بيلباو بمدينة برشلونة في 13 مايو 2009 قد شهد دلالة خطيرة عن مدى رسوخ فكرة الانفصال لدى عدد من أبناء إقليم كاتالونيا عندما قامت الجماهير التى ملأت جنبات ستاد برشلونة بالتشويش على النشيد الوطني الإسباني بإطلاق صافرات الاستهجان.

ويعد المدير الفني لنادي برشلونة جوارديولا من الكاتالونيين الذين لا يخشون إظهار ولائهم الواضح لإقليم كاتالونيا على حساب الانتماء الوطني لإسبانيا. وقد أظهر جوارديولا ذلك بوضوح من خلال تصريحاته الواثقة التى أدلى بها خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب مباراة فريقه أمام دينامو كييف فى ديسمبر الماضي ضمن دوري أبطال أوروبا إثر انتقادات من عدد من الصحفيين الأوكرانيين لاستخدامه اللغة الكاتالونية في المؤتمر الصحفي بوصفها لغة لا يفهما إلا أبناء إقليم كاتالونيا، دون حتى مترجمي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. وجاء رد مدرب النادي الكاتالوني قوياً وحاسماً على الصحفيين الأوكرانيين حين قال "هذه لغتنا الرسمية والخاصة، نحن دولة مستقلة بلغتها الخاصة، وحين نخرج من كاتالونيا نتحدث بلغتنا التي اعتدنا على استخدامها دوماً في أي مكان".

ويعود تاريخ صراع إقليم كاتالونيا من أجل الانفصال عن الدولة الإسبانية إلى عشرات السنين، ويعتبر بعض أبناء إقليم كاتالونيا دولة إسبانيا بمثابة دولة استعمارية تحتل أراضي كاتالونيا كما أحتلت من قبل أراضي معظم دول أمريكا الجنوبية.

وتطالب كاتالونيا بتأسيس سلطتها القضائية الخاصة وقواتها المسلحة وبتوسيع صلاحيات الشرطة، فضلاً عن حق المشاركة بشكل مستقل لفريق برشلونة وللمنتخب الكاتالوني في مباريات كرة القدم الدولية.

لكن الدوافع الاقتصادية تبقى الأهم في تنمية الروح الانفصالية خاصة وأن كاتالونيا تعد إحدى أغنى المناطق في إسبانيا، حيث توفر 23% من الناتج القومي الإجمالي لإسبانيا.