تذكرني دوما ابنتي عفراء بهذه الفكرة من ملء الثغرات المعرفية، وهي فكرة اهتديت لها حين كانت المعلومات تنقصني عن حقبات شتى من تاريخ البشر في أماكن شتى.

كنت أحب معرفة حقبة الأندلس ودول المرابطين والموحدين، شيئا عن تاريخ الصين والاتجاهات الفكرية، التاريخ الروماني وكيف انهار، ثم حقبتين هامتين، ليس ثمة من مصادر مشبعة لها، هما العثمانيون والمماليك. والسر كما استفدت في هذا من مجلة العربي الكويتية وكرونولوجيا الدول أن أعظم فترات عاشت فيها المماليك الإسلامية ولمدة خمسة قرون هي دول المماليك في ثلاثة أجيال من البحرية والبرجية والشراكسة، وكذلك فترة سلاطين بني عثمان التي امتدت بدورها أيضا خمسة قرون طويلة، وأذكر جيدا حينما كنت في ظروف الاعتقال كيف أحضرت كتابا عن التاريخ الفرعوني فقرأت تاريخ ثلاثة آلاف سنة بحكم ثلاثين عائلة في ثلاثة أيام.

وأصابني الندم كيف لم أقم بترجمة التاريخ الصيني حين نشرته بدقتها المعهودة مجلة المرآة الألمانية مع الصور، لأنني استفدت منهم فيما كتبوه عن بناء الأهرامات..

المهم إذا وخلال عشر سنوات من الكدح المعرفي ورسم صور الأسئلة وهي وفي كل مرة ماذا يجب أن يُعرف ثم التوجه إلى الحقل المعرفي فالاغترف من نهله اللجين. وبذلك التنقل من فرع معرفي لآخر مثل طنين النحلة ورشفها من رحيق الورد والزهور.

فإذا ختمت رحلة السنوات العشر، وبكدح معرفي صبور وتحقيق مئة ألف وحدة معرفية، يتم الانتقال إلى العقد الثاني من الكدح المعرفي في رحلة الوصول إلى النور الإلهي، فيجب أن يسأل الإنسان نفسه: ما هو الشيء الجديد الذي يجب أن أعرفه؟

أنا شخصيا سألت نفسيا كثيرا مثلا عن ثغرة في التاريخ الروماني وعصر الأيمان أو فترة الحكم الآشوري من العصر القديم، أو فترة اجتياح الحكم العثماني والتهام أوروبا الشرقية أو عصر المماليك، وماذا تحقق فيه، وكيف تمت المواجهة بين حقبتي المماليك وعصر نابليون عند سفح الهرم، أو ما هو خارج التاريخ من الفلسفة، فماذا يعني لي وماذا فهمت من نقد العقل الخالص لإيمانويل كانط، أو ما هي الديموقراطية تحديدا، لأنها موضع العصر حاليا، والبرمجة اللغوية العصبية (NLP)، وزوال مغناطيسية الأرض، وتيارات النينو في المحيط، ولماذا يحدث التسونامي؟ ونفسيات الشعوب؟ وهل يطعن الثور الإسباني الخرقة أم المصارع؟ ولماذا تدفق الإسلام في القرن السابع الميلادي، وليس قبل ذلك أو بعده؟ وما هو السر خلف انبثاق الفلسفة والعلوم في أرض اليونان ثم ترعرعها في الإسكندرية، وما معنى بولس بالنسبة للمسيحية؟ إلى عشرات الأسئلة المغايرة والمشابهة.. وهكذا أمام كل ثغرة أحاول استحضار الكتب والشغل عليها. الفيلسوف إيمانويل كانط فهمته من ويل ديورانت في كتابه قصة الفلسفة، وأنصح بالاطلاع عليه.

وقرأت في التاريخ الأندلسي موسوعة عنان في سبعة مجلدات قرأتها في ستة أشهر مثل أكل الفاكهة.

وأما التاريخ اليوناني والروماني فقصة الحضارة لويل ديورانت، والبرمجة العصبية اللغوية كان كتاب التكريتي من فهَّمني أسرارها وحل لي عقدها.

أما عبد الرحيم بدر فخرقت معه النسبية بنسبية، ومع قرني الفيزياء من الكوانتوم والنسبية كان كتاب ستيفن هوكينج في (قصة قصيرة للزمن) خير صديق ونعم الأنيس.

ومع كل بناء لثغرة معرفية يكتشف الإنسان كم هي حفرات البحث وثغرات الفهم الناقصة كي يمتلئ معرفة وتواضعا بأنه أجهل الجاهلين وأنه يتعلم من علم الله النهائي كرما وفضلا منه سبحانه وتعالى.