العائد من بيروت هذه الأيام لا يجد ما يتحدث حوله عن هذا البلد سوى أن الكبار نسوا همومه في ظل ما يجري في العالم العربي من ثورات.

كان لبنان شاغل الجميع مع أنه لا يملك من المقومات سوى بعض الجبال الممتدة من الجنوب إلى الشمال يفصلها سهل البقاع الذي كان يسمى عبر التاريخ بـ "اهراءات روما" كون إنتاجه من الغلال كان يطعم الجيش الروماني بأكمله، وشاطئ جميل لم يعد أبناؤه يستطيعون ارتياده، ومطاعم عامرة بأصناف المأكولات التي زادت الأغنياء تخمة، وضنت على السواد الأعظم من أبنائه. يتنفس أحدهم الصعداء ويتحسر على الزمن الغابر عندما كان لبنان في طليعة نشرات الأخبار: حراك سياسي لا ينقطع، اجتماعات متواصلة بين الفرقاء السياسيين على اختلافهم، محكمة دولية وقرار ظني حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كيفية مواجهة عدوان إسرائيلي مرتقب...إلخ مما كان يشغل البال الشعبي والرسمي. اليوم الجميع بانتظار السيد نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة، باتت في حكم الساقطة قبل أن ترى النور. حتى لو اعتذر السيد ميقاتي عن التأليف، لن يتبوأ النبأ صدارة النشرات الإخبارية، لأن ما يجري حول لبنان ربما يكون أهم ما يجري في داخله بنظر القوى الإقليمية التي لا ترى في لبنان سوى مسرح للكثير من التمثيليات التي تعد سيناريوهاتها في أمكنة أخرى. لكن الشيء الأكيد، أن اللبنانيين باتوا أسرى انتماءاتهم السياسية، وبالدرجة الأولى انتماءاتهم المذهبية وليس الطائفية... وربما هنا مكمن الخطر.