تجبرك - في ظل النكوص والتراجع الجليّ في حقوق المرأة - مواقفُ المسؤولين عبر تصريحاتهم التبريرية العجيبة لحجب المرأة عن حركة الحياة وفعاليات المجتمع، على أن تتمنى أنك لم تستمع إلى هذه التصريحات لخروجها عن إدراك الواقع، ورغم أن المرأة المثقفة؛ رئيسة اللجنة النسائية أو عضواتها في النوادي الأدبية لا تتكلم إلا من خلف جدر وحواجز سميكة ساذجة، ويبدو أن حجب واقع المرأة المثقفة عن إدراك وكيل وزارة الثقافة والإعلام جعله يصرح بـ"عدم ممانعة الوزارة تولي المرأة رئاسة الأندية الأدبية حال انتخابها"، فهل يعلم كيف تدار الأندية الأدبية؟ وما هو وضع المرأة المثقفة فيها؟ وكيف أنها تختفي كي لا تفتن!

مصيبتنا التاريخية مع المرأة التي لن تتغير، وهل تساءل كيف ستنظّم المثقفة "الرئيسة" خطط النادي وتنسق مع المثقفين محاضراتهم وهي مغلفة بسياج الحجب والإلغاء البصري، وهل تفكر بأن مجلس النادي المعيّن في كل مدينة مُكوّن أصلاً من عشرة مبشرين بالرئاسة لا توجد بينهم امرأة مثقفة؟! وأن اللجان النسائية معطلة عن اتخاذ أهم القرارات التي هي خاصة أهل الكرامة الذكورية؛ أعضاء مجلس إدارة النادي، وهل كل هذا التجذر الانتقاصي للمرأة سيزيله الحل السحري "الانتخاب" كم أتمنى أن نكون بهذه السذاجة الاستشرافية للمستقبل الذي لم تحطم قيود انطلاقه؟!

كل هذه التساؤلات تطرح أمام الوكيل الثقافي، لمواجهة الذكورية التي تحجب المرأة ولا تخجل من التغني بالادعاء بقفزة تقلب الأوضاع بلمح البصر الذي لا تملك تصديقه فضلاً عن تصور تطبيقه، فهو نظام يُكتفى بإطلاقه سبهللا، كالنظام الذي لا يمنع المرأة من القيادة ولكنها لا تقود، فهو لا يمنع لكنه يمتنع عن توفير أدوات التطبيق، ولوازمه الثقافية التي تصب في خانة الوعي الجمعي المصاحب لخطوات التغيير.

ويأتي أحد رؤساء الأندية يستنكر، لا لأجل ربط الصورة بالبرواز لإعادة تشكيل الوعي بإدراك الواقع وتصور القيود المخجلة والعمل بجد وإنسانية على إزالتها، بل ليستنكر ما لا يستنكر في رأي الوكيل، ليذكر "أن النظام لا يمنع واللائحة المعدلة لا تستثني المثقفة دون المثقف"، في وضع باقٍ على ما هو عليه ينتشي بجذور العنصرية الذكورية.. ولا إشعار آخر!!

ومن الأندية الأدبية إلى المجالس البلدية في نظام لا يمنع لكنه لا يطبق، ولا تفهم معنى مصطلح "نظام" فإن كان نظاماً فكيف يتسمى باسمه دون معناه (الإلزام)، وكيف نستطيع المضي من تحديده إلى فهم معناه إلى فرض احترامه على الجميع؟!

ويأتي تبرير رئيس لجنة الانتخابات البلدية عبدالرحمن الدهمش لعدم مشاركة المرأة في الانتخابات أوهى من خيط العنكبوت ليجبرنا مرة أخرى على تمني عدم سماع تصريحات بعض المسؤولين فـ"النظام لا يمنع مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، وستحضر في الوقت المناسب، ذلك أنه لا يمكن القبول بتجزئة مشاركتها على مستوى المملكة". مبيناً "أن إجراءات تصويت المرأة في الانتخابات يجب أن تتخذ وتتوفر في جميع المناطق، وحال توفرها ستشارك المرأة كصوت ناخب". يا خطير!! ما هذه العدالة التي تتوشح التمييز العنصري، وما هو الوقت المناسب الذي يطلق بإطلاقه هكذا، ولا يحدد ولو برقم فلكي؟! إنه وغيره يخافون أن يفاجئهم الزمن بحضوره فيطالبهم الوفاء بالعهد، فالزمن أسرع من نظرتهم الحقوقية السلحفاتية للمرأة، إذ لهم سابق تجربة في الوعد وإخلافه، إذاً ليفتحوها تحت رمزية الزمن المناسب، ربما لإتاحة زمن له خصوصية ترضي جميع الذكور، وعندما يأتي الوقت المناسب "سر طبعاً" الذي لن يأتي، تكون الأماكن قد بنيت ربما بأدوات بناء جديدة لها صفة حجب جهنمية، لتأخذ أصواتهن مع أمن الفتنة التي لا تسمع لصوت صاحبتها صوت!! بل وحتى الانتخاب لم يسلم من تقسيم صوته لذكوري وأنوثي!! بقوله "إجراءات تصويت المرأة"؟!! خصوصية طبعا لا تفسر وإنما فقط تفرض كالعادة بدون مبررات ولا نقاش ولا تفسير.

يتحدث الجاسر والدهمش عن المرأة بصفة الغائب، وليس ذلك بغريب، فالمرأة ممنوعة من رأي حضوري تبديه في قنوات مفتوحة تسمعها وتناقشها وتحاورها كإنسان، وأسأل الدهمش: لو كانت المرأة سترشح نفسها للعضوية، يا ترى كم سيلزمه من الحجج لإبعادها غير المراهنة على الزمن المناسب وإجراءات الخصوصية التصويتية؟!

إن شدة غموض المرحلة، وصعوبة استشراف ما سيؤول له الحال، ونكوص توقعات الأحداث المنتصرة للحقوق، والمناهضة للتمييز ضد المرأة، تشي بأن المراهنة على الزمن فقدت مصداقيتها، وأصبحت عاهة ثقافية تستخدم لكسب مزيد من الوقت المؤجل، والحال إن لم يثبت فهو يرتد عما كان عليه، ونحن نمشي الهوينا ونتعثر ونقع، ولا نتعلم ونبّدل ونتغير على رتم الزمن السريع، فصدمة الحقوق المتراجعة للخلف تصف المرحلة الثقافية والحقوقية الراهنة بأنها مرحلة غير نزيهة وستستمر كذلك ما دامت الحقوق لا تسابق الزمن بل تلبس لبوسه، للركوع لموازين غير محسوبة سوى لمزيد من التأجيل والتسويف والضحك على العقول، وسواء تناقضت التصريحات أو سُبّبت بغير أسبابها، أو ارتهنت لسجن اللاوعي المنتقص للمرأة وتجريدها من الأهلية الكاملة، فالمؤكد أن الحقيقة واضحة؛ تكمن في جاهلية الرؤى واستبداد الأفراد، ونظام لا يفهم نفسه حتى يقنع الناس به! فالحقوق لا تؤجل بل إنها ومنذ أن تومض بنقص فالمسارعة بسد ثغراتها هو وحده أسلوب النجاح والرقي، لكننا نمضي مع الحقوق بخصوصية زمنية لا نفهمها حتى نحن!

إنني أراهن على أننا في المستقبل سندفع ثمناً باهظاً للرجعية الحالية المكرر استيلادها في راهننا إزاء تعاملنا مع المرأة، فكل نظام لا يتغيا في بعده الإنسان (امرأة ورجل) هو نظام يتأبى على التطبيق، إذ هو يتشرعن بواسطة أفراد يفتقدون الرؤية الإنسانية المنفتحة، التي تلغي العنصرية المتعصبة بكل تمظهراتها، وما نظام المجالس البلدية لدينا المحتج بحجج الجاهلية إلا أحد هذه التمظهرات، وها هو يجني من تجربته الفشل، ومن الغباء تكرار الفشل.