جدار يفصح عن لونه البنّي ذي المرجع الطيني، يكشف عنه الطلاء الأبيض المقشورة بعض جوانبه، وثمة غبار يزحف على اللون الأبيض يعيد انتماءه إلى الجدار، ومعه تبدو رسمة القلب الحمراء المقطوعة بخطّ طولي بنّي كأنها غريبة طبعتْها يد عابثة؛ تشي باللعب وبالمرور العابر. أثر خفيف وهشّ لا يصمد لتصاريف الريح ولا في مجرى الزمن. كلمة الزوال أو الإزالة تكاد تنفر من لوحة الغلاف لرواية "قلب الوردة" لوفاء العمير (دار طوى ـ 2010).

الرواية قصيرة ـ نحو ستين صفحة ـ بجملة طويلة عن الحب الخائب بين "شهد" و"نايف" وفيها تقطّعات والتفافات تنجزها ذاكرة "شهد" في حوض العائلة والأقارب، فتلتقط تفاصيل العلاقة الحميمية التي لا يهزمها الموت سواء بين الأب والأم أم بين الخالة بدرية وزوجها سعد أبو الخير. وربما يكون هذا التداعي والاستحضار هو الوجه الغائب لعلاقة لم تصل إلى غايتها لتأسيس رباط الزوجية وتعميقه بحياة عائلية ممتدة بالأولاد مغروسة في المكان. هذا الوجه من الذاكرة يمهّد سبيلاً لفهم أو تخفيفا من شعورٍ بالذنب لماذا لم تذهب "شهد" مع نداء القلب إلى آخره بالرحيل مع "نايف" إلى أمريكا بعد أن خبرتْ أزمته مع المكان الفائض بكائناته المسنسخة والشبيهة ويفرّ من المتمردين والمختلفين والمبدعين، ويرحّب بجنة الصمت التي يختفي فيها صوتُ الذات؛ يقول تفردّها وعدم اندغامها في الجموع المتشابهة. كان لـ"شهد" تصوّر للعلاقة يتممها تصوّر آخر لإطار تنمو فيه؛ جذوره المكان.. فيما كان "نايف" ينظر إلى هذه العلاقة ضمن إطار أوسع؛ الحياة في مكان أوسع تتفتّح فيه إمكانيات أكبر من الحب نفسه.

انفصمت علاقة الحب، لأن الاثنين تمسّكا بشرطهما الوجودي. هي يحضن روحها المكان والرباط العائلي، وهو لن يتنفّس إلا في مكان آخر، ومهما حدث من تصدعات في العالم الذي ذهب إليه؛ فلن يعود يجرّب الاختناق ثانيةً. لقد خفقَ طيرُ الأمل في صدر "شهد" بعد أحداث سبتمبر 2001 وعاودها حلم عودة "نايف" لكن سرعان ما تهاوى الأمل وخفت الحلم. حاولتْ أن تتدبّر أسباب النسيان، فسقطت منها الأسباب تباعا.

سيّجت حياتها بـ"الانتظار" لا تريد التفريط بلحظة حبٍّ عاشتها، عبرتْ واختفى صاحبها، رغم محاولة تزويجها من "منصور" ابن صديق والدها بشخصيته الفظة وذكوريّتها الطاغية وبالقلب المحقون بلغة المال، فيما هي قلبُها.

الحياة المتوقفة والمحاصرة بالثبات والجمود والتكرار شخّصته الساردة استعاريّا بشكل شعري. نكاد نلمس الحالة النفسيّة بمدّها الانفعالي وكيف يصبح المحسوس وغير المحسوس مرئيّا على شاشة "شهد" ومعبّرا عنه بما يكافئه ويحضره عيانا بعد أن كان منطويّا في لجّة النفس. ويمكن لنا القول إن التشخيص الاستعاري ـ المتواتر على مدار الرواية ـ هو الإنجاز الأهم لوفاء العمير في "قلب الوردة".