تعرفت على الشاعر العراقي معروف الرصافي من خلال قصيدته ( إلى أبناء المدارس) التي كانت مقررة في المناهج الدراسية ، يبدأها بقوله : كفى بالعلم في الظلمات نورا يبين في الحياة لنا الأمورا، فكم وجد الذليل به اعتزازاً وكم لبس الحزين به سروراً . بعد ذلك انفتحنا على هذا الشاعر الفذ، الذي كتب في كل ضروب الشعر وفضاءاته الواسعة سواء في الكونيات والاجتماعيات والفلسفات والوصفيات والمراثي والتاريخيات والسياسات والحربيات والمقطعات. واتهم بالإلحاد ولذا يقول :

رماني القوم بالإلحاد جهلاً .. وقالوا عنده شك مريب

فمن ذا منكم قد شق قلبي .. وهل كشفت لكم فيّ الغيوب

فعند الله لي معكم وقوف .. إذا بلغت حناجرها القلوب

يقيني شر فريتكم يقيني .. بأن الله مطلع رقيب

لقد ذهبت مخيلتي إلى أقصى ما تتيحه المخيلة البشرية بأن الشاعر قد عاش حياة مرفهة وكريمة ، نظراً لامتلاكه تلك المكانة الاستثنائية ، وكواحد من أعظم شعراء عصره ،لكن المطلع على رسائل الرصافي يرى شاعراً بائساً وفقيراً يعصف به الجوع ، ولا يتردد عن طلب سلفة دينارين يقضي بهما مطالبه . يقول في إحدى رسائله لتاجر بغدادي اسمه حسن الشكرة : ( أخي حسن بعد السلام والاحترام ، أنا على الدوام انتقل من يوم نحس إلى أنحس، وما أدري إلى أين المنتهى وإلى الله المشتكى ، بعد أسبوع يعطونا الراتب. ولكن لم يبق في يدي ما أسد به مصرف هذا الأسبوع . فماذا أصنع ولم يبق عندي شيء يباع أو يسوى البيع ولم تطاوعني نفسي أن أرجع إلى أحد سواك . فأرجو أن لا تنزعج مني لأني مضطر، إن كان يمكنك أن ترسل لي دينارين أقضي بها هذا الأسبوع ، فأنا لك من الشاكرين) . ويقول في رسالة لبعداللطيف المنديل : (لا أظنكم ترون في الدنيا أتعس حالاً وأنكد حظاً من شاعر تجنب طول حياته سؤال الناس بشعره ثم الجأته الضرورة إلى ذلك ). ويقول في رسالة أخرى:( سيدي أبا هاشم لقد ضاقت بي الحياة حتى أصبحت أنادي ألا موت فاشتريه. أشار على طبيب الفلوجة بعمل كونسلتو من قبل الأطباء الذين باشروني بالمداواة ، وذلك يحتاج إلى مال وقد نفذت الدراهم عندي فلا أملك منها شيئاً ، ولا أملك من حطام الدنيا سوى الكتاب الذي تعرفونه وقد رأيت أن أعرضه للبيع ) . ويقول في رسالة لأحد أصدقائه : ( منذ ثلاث سنوات منعني أطباء بيروت من أكل اللحوم بتاتاً ومن الحبوب كلها ما عدا الرز؛ غير أن الرز أصبح هذه الأيام مما لا تناله يدي لضيق ذاتها عنه، عسى أن ترسل لي اليوم كمية من الرز ولو قليلة نحو عشرين كيلو أو أقل حسب الإمكان) .