يحكى أن الوطن العربي كان يمتلك في بداية القرن الواحد والعشرين جامعة عربية تضّم 22 دولة يقطنها 350 مليون نسمة، فضّلهم الله على غيرهم من شعوب الأرض بمهد الأديان الثلاثة وأخرج منهم سبحانه وتعالى جميع أنبيائه ورسله، وكرّمهم بخيرات فاقت قيمتها 34% من مجموع ثروات العالم علماً بأن مساحة أراضيهم لا تزيد عن 5% من مساحة المعمورة.

ويحكى أن هذه الجامعة (رحمها الله) كانت تتمتع بميثاق (عظيم) تم التوقيع عليه بتاريخ22 مارس 1945،حددت فيه المادة الثانية أغراض التعاون الوثيق بين الدول العربية في الشؤون الاقتصادية والمالية والتبادل التجاري والجمارك والعملة، والزراعة والصناعة والمواصلات والثقافة،والجوازات والجنسية والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين، إلى جانب التعاون في الشؤون الاجتماعية والصحية.

بعد 66 عاما على إنشائها أُعلِنَت نتائج أعمال الجامعة العربية، ليؤكد تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن100 مليون عربي أصبحوا اليوم يعيشون تحت خط الفقر بسبب تفشي الفساد وفشل الخطط التنموية والاقتصادية في الوطن العربي، لتقفز هذه النسبة إلى49% في الصومال و46% في مصر و33% في السودان و29% في العراق و26% في اليمن و14% في المغرب العربي.

ويحكى أن هذه الجامعة (رحمها الله)، وقبل إغلاق مكاتبها الفاخرة في حي المهندسين بالقاهرة، كانت تتمتع بميزانية سنوية تفوق 62 مليون دولار، مخصصة لعقد مؤتمرات القمة التي لم يتجاوز عددها منذ نشأتها 36 مؤتمراً سياسياً ومؤتمرين اقتصاديين، أصدرت خلالها أكثر من 6000 قرار، معظمها يحتوي على أقوى أدبيات الرفض والإدانة، وأهمها يشتمل على أجمل معلقات الإنشاء والنحو، وآخرها كان موجهاً لثني أحد زعمائها عن البطش بشعبه العربي.

ويحكى أن هذه الجامعة (أحسن الله عزاكم بوفاتها) لعبت دوراً مهماً في (صياغة المناهج الدراسية العربية)، لينحدر مستوى الفكر والمعرفة في عالمنا العربي لأدنى مستوياته العالمية، وساهمت في النهوض (بدور المرأة في المجتمعات المدنية)، لتصبح المرأة العربية أسيرة مجتمعها، وقامت بتعزيز (رعاية الطفولة وإطلاق حملات محو الأمية ومكافحة الجريمة وتعاطي المخدرات)، لتتصاعد نسبة الأمراض والجهل وتعاطي المخدرات وانتشار الجرائم بين الأطفال والشباب، وأبدعت في تشجيع (برامج الشباب والرياضة)، لتتراجع مراتب الدول العربية إلى الحضيض في الألعاب الأولمبية، وتصدّت لعمليات(الغش التجاري والتدليس وسرقة حقوق الملكية الفكرية)، لتفشل الأسواق العربية في القضاء على الغش التجاري والتدليس والتعدي على حقوق الملكيات الأدبية والصناعية.

ويحكى أن هذه الجامعة (أسكنها الله فسيح جنانه) عكفت خلال تاريخها (المجيد) على صياغة وإبرام 32 وثيقة (تاريخية مهمة) لتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء. أهمها وثيقتا (العمل الاقتصادي العربي المشترك) و (مبادئ الوحدة الاقتصادية العربية)، التي أدت إلى تفاقم حدة تراجع اقتصاديات معظم الدول الأعضاء فيها. ومنها وثيقة إنشاء (منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى)، التي فشلت في الحد من تراجع تجارة العالم العربي الداخلي إلى 13% وساهمت بانخفاض تجارته الخارجية بمقدار30% عما كانت عليه. ومنها أيضاً وثيقة (تطوير البرامج السياسية والثقافية والاجتماعية وحل النزاعات بين الأقطار العربية)، التي لم تثن الدول العربية عن زيادة وتيرة نزاعاتها ومهاتراتها.

ويحكى أن هذه الجامعة (رحم الله أمواتنا جميعاً) أنشأت خلال نصف قرن من الزمن 11 مجلساً (موقراً) مقارنة بنحو 84 مجلسا فعالا في الاتحاد الأوروبي و56 مجلسا عاملا في الوحدة الآسيوية و26 مجلسا منتجا في اتحاد دول جنوب أمريكا و18 مجلسا متواضعا في الوحدة الأفريقية. وبينما فشلت مجالسنا (الموقرة) في الحد من تراجع قدرات العالم العربي وتفاقم مشاكله وتدني مستويات نتائج أعماله، نجحت مجالس الاتحادات الأخرى المماثلة بتنويع موارد دولها الأعضاء وتعظيم فوائدها وتحقيق أهدافها.

ويحكى أن الجامعة العربية كانت قبل (وفاتها) تحتوي على المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، والذي أمضى (خبراؤه) قرابة 18 شهراً للاتفاق على تسميته المختصرة (أكساد). منذ إنشاء هذا المركز في عام 1968 انحسرت مساحات الأراضي الزراعية في الدول العربية بسبب زيادة رقعة التصحر والاستنزاف الجائر للموارد المائية، لتصبح شعوبنا العربية أكثر اعتماداً على استيراد المواد الغذائية، حيث فاقت قيمة هذه الواردات في العام الماضي 53 مليار دولار، مما يؤكد سوء وضع الأمن الغذائي العربي وعمق الفجوة الغذائية التي فاقت 50% في القمح، و45% في الذرة، و86% في الشعير، و35% في الأرز، و34% في اللحوم والألبان.

وكأن (خبراء) مركز (أكساد) على يقين من (كساد) مستقبل مركزهم، لتوقعهم تراجع خصوبة أراضي السودان (سلة الغذاء العربي)، ولتنبئهم بانتشار الفوضى في ليبيا التي استنذفت مواردها لبناء (النهر العظيم)، ولقناعتهم بتلاعب دول منابع النيل الأفريقية التي انتهكت (سيادة) مصر المائية. وكأن هؤلاء (الخبراء) كانوا يتوقعون أيضاً عدم الاستقرار الأمني في المنطقة على قطاع السياحة، الذي كان يعدُّ أكثر القطاعات نموا في مصر والمغرب والجزائر وتونس ولبنان وسوريا والأردن.

ويحكى أن أحد أهم مشاريع الجامعة العربية (الفاشلة) كان مشروع (خط الغاز العربي الكبير)، والذي من المقرر إنجازه في العام الماضي، لينقل الغاز المصري والعراقي إلى الأردن وسوريا ولبنان وتركيا، ولكنه لم ير النور ليومنا هذا ولن يراه غداً سوى أعداء الوطن العربي.

يحكى أن.... الجامعة العربية فشلت في تنفيذ بنود ميثاقها فأغلقت أبوابها وأطفأت أنوارها.