ذكر أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل خلال لقاء أجرته معه قناة الرياضية السعودية مؤخراً: "أن الشباب ظلموا كثيراً بنظرتنا لهم كآباء، وربما هي نظرة توارثناها نحن كآباء وأجداد، لأننا كنا ننظر إلى الشباب على أنهم يحتاجون لكثير من الوعي والإدراك وفهم الحياة، لكن الحقيقة أن شباب هذا الوطن على قدر كبير من الوعي والفكر والرؤية المتميزة والانتماء الصادق".

ويوضح الفيصل السبب الرئيس في وعي الشباب وعدم إدراك هذا الوعي من قبل المجتمع، بقوله: "ربما هم محظوظون لأن كل وسائل وسبل المعرفة متاحة أمامهم، عكس ما كنا فيه كجيل سابق نحتاج لبحث طويل في كتب ومراجع حتى نحصل على معلومة يسيرة، بينما تهيأت لهذا الجيل كل الفرص واستثمروها بطريقة متميزة، جعلتهم جديرين بثقتنا، وقد يتردد أحياناً أنهم يفتقدون الخبرة، وأنا أعتقد أن هذه الخبرة لن تأتي إلا إذا منحناهم فرصة العمل والمشاركة، وهذا ما نسعى له في المنطقة".

في الحقيقة إن نظرية "الفيصل" تجسد مشكلة واقعية يواجهها شباب هذا الوطن في مجالات عديدة، وخاصةً في مجال العمل سواء كان في الجهات الحكومية أو الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص.

وهذه المشكلة تتمثل في النظرة السلبية وعدم الثقة في الشباب السعودي، وهذه النظرة لها أسباب ثقافية واجتماعية ونفسية، وللأسف الشديد لم تفطن إليها كثير من البحوث والدراسات رغم أنها تمثل معضلة رئيسة تقف عائقاً أمام الشباب بل وتحطم طموحاتهم وآمالهم.

ففي الجهات الحكومية على سبيل المثال، يتم التعامل مع الموظفين الجدد من الشباب على أنهم قليلو الخبرة، وليسوا على قدر كاف من المسؤولية، ويحتاجون إلى وقت طويل حتى يفهموا أساسيات العمل.

وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل تتعدى النظرة إلى الشباب على أنهم (كسولون) ومائعون وغير جادين في العمل ولا يهمهم في هذه الحياة سوى اللعب واللبس والترفيه والسفر.

وعلى هذا الأساس يتم التعامل مع الشباب بشيء من الشدة والرقابة وصب المواعظ عليهم، ويجد الشاب نفسه وكأنه تلميذ صغير ما زال في المرحلة الابتدائية.

وفي الوقت نفسه ينظر الشباب إلى المسؤولين في الإدارة على أنهم بدائيون وتقليديون وعقولهم غير منفتحة، ومازالوا يعيشون في العصر الحجري، فهم في نظرهم لا يعرفون أبجديات الإدارة الحديثة ولا يعرفون التعامل مع تقنيات الحاسب الآلي ولا يجيدون التعامل مع الآخرين.

أما نظرة بعض رجال الأعمال إلى الشباب فهي تتمثل في أن كثيرا من الشباب غير مؤهلين وغير جادين وتنقصهم الاحترافية والمهنية في العمل وأنهم لا يحفظون أسرار الشركة أو المؤسسة، كما أنهم لا يلبثون طويلاً بمجرد حصولهم على وظيفة أخرى، وأنهم كذلك يبحثون عن الراحة ويفضلون الجلوس على المكاتب ويتعاملون مع الأجانب بفوقية وتعال.

بينما تتمثل نظرة الشباب إلى هذه الشركات، بأنهم محاربون من قبل الجنسيات الأخرى، وأنهم لا يعطون الفرصة الكافية لإثبات وجودهم، كما أنهم يتعرضون لمضايقات حتى يتركوا العمل في أقرب وقت ممكن.

هذا باختصار شديد فيما أعتقده عن واقع الشباب في قطاع الأعمال، وكما ذكرت آنفاً ، أن هناك أسبابا ثقافية واجتماعية تقف وراء هذه النظرة السلبية إلى الشباب في المجتمع.

وبالطبع فإن هذه النظرة إلى الشباب ليست قاصرة فقط على المسؤولين ورجال الأعمال، بل حتى المجتمع أيضاً، وخاصةً جيل الآباء والأجداد فهم ينظرون إليهم نظرة الريبة والشك، ويقارنون بينهم وبين زمانهم في الماضي.

خذ على سبيل المثال "الأزياء الحديثة" وتقليعات الشباب اليوم فقد لاقت استهجاناً واسعاً من المثقفين والمشايخ والناس، مما أدّى إلى وجود نوع من القطيعة بين الشباب والمجتمع، مع العلم أنهم في يوم من الأيام قد يرتدونها أو يسمحون بها على الأقل وكأنها أمر عادي غير مستغرب كما حصل مع (بنطلونات الجنز) في السابق، وهذه حقيقة اجتماعية لا يمكن إنكارها.

وما ينطبق على أزياء الشباب، ينطبق على الاهتمامات الأخرى لهم مثل الإنترنت وتقنية الاتصالات وغيرها، لذلك لا ضير أن يشارك الآباء أبناءهم اهتماماتهم ويتعرفوا على رغباتهم ومشاكلهم بدلاً من صب المواعظ والإنكار عليهم، وأذكر هنا حكاية طريفة تقول: "إن والداً وبخ ابنه ذات يوم على تأخره في الدراسة قائلاً له: (نابليون عندما كان في مثل سنك نجح إلى الصف الخامس بينما أنت الآن في الصف الثاني من المدرسة)، فأجابه ابنه: (ولكن نابليون، يا أبتي ، عندما كان في مثل سنك أصبح إمبراطوراً).

وعلى كل حال ما أود قوله في هذا الصدد، إننا في مرحلة تمر فيها المنطقة بتحولات لا يمكن تجاهلها على المستوى المحلي أو الإقليمي، الأمر الذي يجعل من موضوع الشباب وهمومهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم في بؤرة الاهتمام، وخاصةً إذا علمنا أن الشباب يشكلون الغالبية العظمى من المجتمع وبالتالي يجب أن يكون لهم دور متعاظم وفاعل في كافة مناحي الحياة، وكما قال سمو الأمير خالد الفيصل يجب منحهم فرصة العمل والمشاركة.

ويذكرأيضاً أن مبادرة الفيصل لتشكيل لجنة من الشباب لمتابعة أداء الدوائرالحكومية وتقديم تقارير دورية عنها هي الأهم، وفي اعتقادي أن تقارير هذه اللجنة سوف تكون أكثر جودة وفاعلية من تقاريرالأجهزة الرقابية نفسها، وذلك لسبب بسيط وهو أن هؤلاء الشباب أعطوا الفرصة والثقة اللازمة لإظهار مواهبهم وإبداعاتهم، وأنهم على قدر كاف من المسؤولية لتحمل أعباء هذا العمل،حيث إن الشباب يوصفون دائما بالحركة والمبادرة والإبداع والتغيير .