يقول أحدهم: (دموع المرأة قمة القوة، ودموع الرجل انهيار جبل) مواقف الحياة تذكي نزعة الدموع وتغذيها لما تعانيه الإنسانية من مرارة ومكابدة ومعاناة، وما تمر به من تجارب قاسية تلهب الحواس في اللحظة المعاشة، وتوقظ مهمومات الحياة وتوجعات العمر. قد يحاول البعض من البشر إخفاء ذلك الحس المتسامي، ويغالب ذلك الشعور الطافح بالألم لكونه كما يظن ويعتقد منقصة حياتية، وتعبيراً رثائياً عاجزاً وواهناً وأسلوب دفاع رديء ضد انكفاءات وتوترات ووحشة الواقع وقمعه باعتباره ضرباً من الخنوع والمذلة والبوح المطمور الذي لا يحسن إظهاره. ولكن القارئ والباحث لتأريخ الدموع وكينونتها الإنسانية يبصر ذلك الركام من النماذج البشرية التي لم تتردد عن استجلاب دموعها الكامنة في جوهرها وقد أثبتت الباحثة أوليف اريكسون بعد أن قضت أربع سنوات في تحليل 2000 عينة من الدموع أن التغيرات الكيميائية في الدموع ستعين الأطباء على الدقة في تشخيص الأمراض. كما وجهت طبيبة أمريكية اسمها فيراد دايموند نصيحة لمرضاها وحققت بعدها نتائج طيبة قالت لهم: (ابكوا واصرخوا ما دمتم قد أغلقتم الباب عليكم، انزعوا كل ما في صدوركم ، تكلموا مع آلامكم أنطقوها) يقول الباحث فريد الفالوجي في دراسة سيكولوجية يتحدث فيها عن دموع المشاهير والعظماء: (إن في العالم المتقدم عيادات متخصصة للسيطرة على الألم وترويضه وهي عيادات يتعلم فيها المريض فنون كبح الوجع بإطلاق الدمع، فلا يوجد مخلوق غير بني آدم يتمتع بنعمة البكاء لأسباب وجدانية. ويرى العلماء أن الكيان الإنساني هائل بتكوينه الوجداني الداخلي وأن هذه الفخامة إن لم يتوافر لها منفذ تسريب اختفت واحتضرت وماتت، والدموع هي المنفذ وبدونها ينفجر الإنسان بعد أن تتوحش الخلايا فيه) وقد استعرض الباحث نماذج من المشاهير الذين طفحت دموعهم كخلاص لما هم فيه من مواقف طوفانية قاسية وغارقة في الهموم والإحباط الذاتي كهتلر وقيصر وكليوباترا وسقراط ونيرون وطه حسين ونزار قباني وقيس بن الملوح وأبو العلا المعري، وابن المعتز وأبو الشمقمق شاعر البؤس والجوع والفقر والذي كان يلزم بيته شهوراً طويلة خجلاً من أسماله المرتقة. وأبو حيان التوحيدي حين جمع كتبه وأحرقها، وأبو القاسم الشابي، وأحمد فتحي شاعر الكرنك الذي عاش مغترباً تطارده الوحدة والألم، وأمل دنقل الذي أبكته بحرقة نكسه 67، والنعمان بن المنذر الذي قتله كسرى تحت أقدام الفيلة، وديك الجن الذي قتل حبيبته ثم جلس إلى جوارها يبكي وعشرات الأسماء ممن بكوا وأبكوا من المشاهير في تاريخ البشرية.