هل الأمور التي تقض مضاجع الآخرين أكثرُ نبلاً؟!

سؤال استشففت إجابته بعد استيعابي تصريح مدير بنك التسليف والادخار في محافظة الطائف طلال الثمالي لصحيفة عكاظ "أن البنك باشر منح قروض لمساعدة راغبي الزواج من الزوجة الثانية من المواطنين السعوديين، وأن هناك شروطا بموجبها يحصل طالب القرض على الموافقة، منها ألا يقل عمره عن الـ 18، وأن يقترن بامرأة سعودية، مشدداً على أن يكون الزواج من الثانية لعذر وليس لمجرد الترف".

وأسئلة تترى تعكس وجهة السؤال المتصدّر؛ هل بالمقابل هناك آخرون يتخبطون في دوامة الفوضى اللاإنسانية؟ وهل للفوضى تمظهر أوضح من ضرب الأسر الآمنة في دورها؟ أمن الحكمة أن نترك لفكرة الأرباح المادية التي تعمي البصيرة حق التلاعب بالجانب الإنساني أو إغفال جانبه؟ أنلتزم الصمت عما يربك ويخل بالتوازن النوعي بين قطبي الحياة "الرجل والمرأة"؟!

خبر البنك نسبةً للوعي المأزوم بالعلاقة الثنائية، والعنصرية الذكورية يبدو بدهياًً، والأمر ينكشف بشروطه العجائبية؛ فمتى كان الزواج الأول لهذا الذي يقف على بوابة سن الطفولة- حسب معدلات التقسيم الزمني الإحصائي للدول المتقدمة- إذا كان زواجه الثاني في الثامنة عشرة من عمره؟ ويتضاعف العجب عندما نتصوّر سبباً آخر غير الترف، ومتى سيتم اكتشاف أسباب أخرى وهو في هذه السن المبكرة، ليتلكأ به المقتنصون جارّين البيوت للتشتت والخراب؟!

تراءت لي رواية "القرن الأول بعد بياتريس" لأمين معلوف، وتذكرت "فول الجعران" المنسوب لثقافة فرعونية وهندية تجعل الرجل الذي يبتلع حبات الفول تلك يزداد فحولة وتكافأ رجولته بطفلٍ ذكر، وثورة العلماء والباحثين ضد هذا التعقيم النسائي العنصري الذي أحدث خللاً توازنياً كمياً ونوعياً في البشرية، والأحداث المفعمة بالرغبة الجادة لإعادة التوازن للعالم الثالث بالذات لأنه الأكثر احتفاءً بالذكور.

ربما نضطر في ظل الهوس بالمتع الذكورية لاختراع مادة معاكسة لفول الجعران تحفّز ولادة الإناث لتغطي حاجة بنك التسليف ليوظف قروضه للمواطن ذي العين الشرهة التي لا يملؤها واحدة بل اثنتان وربما ثلاث ورباع مستقبلاً، ولعل البنك أن يوفر صوراً لراغبي الزواج مع إضافة أنواعه المستحدثة تحت شعار اطلب تجد، ليكمل مشروعه الجبار، ويقلب موازين معاملاته ليشتغل خطّابة!

الدول المتقدمة تسعى في خططها إلى تحقيق رخاء أكثر وتضخم سكاني أقل، وترسيخ مبدأ الإنسان أولاً، ونحن بالمقابل نصنع خللاً في البنية السكانية بالتلاعب بعلاقة الرجل بالمرأة داخل مؤسسة تحترمها كل الديانات والشعوب "مؤسسة الزواج"، وإن كنا اليوم لا نملك دراسة ديموجرافية علمية فإن الواقع يثبت أن عدد الذكور لدينا أكثر من الإناث، وإذا لم نعزز الاستقرار الأسري الوحدوي فإننا سنواجه كارثة جراء التعدد، فالمجال المفتوح للتعدد يخطف فرصة بقية الشباب بالارتباط بواحدة لأجل هوس الفحولة الذي يمارسه المعدّد باثنتين فأكثر؟! إضافة إلى أن إهانة الزواج تسبب كثرة الطلاق ومؤشرات الأرقام تشي بتفاقمه، وهو نتيجة لا أقول للنصب والاحتيال بل السعي لخراب البيوت باسم الحلال!

وإن أفقدنا المرأة المتزوجة أمانها في ظل إباحة الزواجات السرية اليوم فلا تحيا يومها بلا هاجس زواج كالمسيار وشلته، فإننا اليوم نشهد مؤسساتٍ تسهم في القضاء على الأمن والاستقرار الأسري كبنك التسليف، الذي يسهّل إقامة بيت وأسرة أخرى على قرض، فكيف سيكون مستقبل أسرة بهذا المستوى من الحاجة والديون؟! إننا أمام إلحاح عصري لإعادة مواجهة الوعي بأزمتنا الذهنية التي تمنح الولاء الأول للمتع، وإن على حساب التنمية والرفاه، ناهيك عن القيم والأخلاق، ثقافة تنزع المرأة من كل حق وتجعلها رهناً لمتعة الذكر!

إن تكرار الظلم بصور مقززة ليس أقلها إهانة المرأة وإذلالها وتشتيت أبنائها عندما تطري على بال أحد الذكور طواري الشهوات سبب وجيه ينبئ باستحالة العدل، ويوجه التفكير الجاد بضرورة الأخذ بالمصلحة العامة.

رغم أننا مجتمع نحب الذكور، ونفرح بولادة ذكر، وأعداد الإناث أقل لدينا من الذكور، إلا أننا نقضي على حق بعض الذكور بالتعدد، فبأية أعجوبة يمكن للوعي أن يتدخل هنا؟! لا شك أننا أمام تحدٍ للسائد والموروث، وهو محك اختبار الحكماء، "فالعالم الذي لا يكون حكيماً يصبح خطراً أو في أفضل الأحوال عديم الفائدة" (الرواية المشار إليها).