جاء في الأساطير الزائيرية أن فيلا كان يعبر أجمةً فرأى في طريقه الغيلم (ذكر السلحفاة) لا يتحرك فصرخ به أيها السلحف السخيف اهرب من طريقي قبل أن أدهسك فلا يبقى منك شيء؟

رفع الغيلم رأسه باعتداد وقال: أيها الفيل العظيم لا تغترن بقوتك وعظيم جسمك وجرِّب حظك فلن تنال مني؟

تأمل الفيل هذا الصغير الذي ينازله ويقبل التحدي وقال حسنا؛ وفعلا مشى فوقه بكل ثقله من أطنان!

لم يتأثر درع السلحفاة الهائل المدرع بدعسة الفيل، وكل ما حصل أنه غطس قليلا في التراب.

رفع الغيلم رأسه وقال: هل رأيت أنا أقوى منك، ويمكن أن أنازلك لو أردت التحدي؟

ضحك الفيل من سخفه وقال ومتى تريد وأين مكان المنازلة؟

أجاب الغيلم حسنا غدا عند رأس هذه التلة. وافق الفيل بضحكة مجلجلة وهز أذنيه الهائلتين فارتجت الريح.

ثم إن الغيلم السلحفاة هرع إلى شاطئ النهر المنحدر عند المكان وتربص حتى جاء البرنيق (فرس النهر) مع لحظات شروق الشمس الأولى وقد أكل حتى الشبع، خاطبه من بعيد: أيها البرنيق هل لك في لعبة شد الحبل فأنا أقوى منك ويمكن أن تجرب حظك في هذه المباراة!

تأمله البرنيق لا يصدق ولكنه وافق على المباراة.

وفي وقت الموعد مع الفيل أتى بحبل غليظ حمله بفمه ودفعه إلى البرنيق وقال تشدّ حين أقول هيا؟

ثم اندفع إلى الفيل الذي كان ينتظر بحنق وتذمر في أعلى التلة.

صاح به الفيل: أين أنت أيها المتحدي السخيف هلا بدأنا الصراع؟

تقدم الغيلم ببطء وقال له امسك نهاية الحبل فأشد أنا من الطرف الآخر ولسوف تعترف لي بالهمة العالية والقوة الهائلة؟ ولكن لا تشد حتى أعطيك إشارة البدء بكلمة هيا؛ خوفا مني عليك أن تطير من قمة التلة أثناء الشد؟ ضحك الفيل من جديد وقال حسنا علينا أن نرى المعجزات كل مرة.

أثناء هذا سعى الغيلم بسرعة إلى منتصف التلة واختبأ هناك ثم صاح بصوت عال يسمعه كل من الفيل والبرنيق: هيا..

ارتاع الفيل من الشد الفظيع، كما أن البرنيق دهش من عزم الغيلم وقوة شده، فما زال كل من الفيل والبرنيق يشد صاحبه فيتزحلق أحدهما ويقترب ويبتعد ولا ينال أحد من عزيمة الآخر شيئاً، والغيلم السلحف الضئيل يراقب المباراة بمرح وفرح ويكتم ضحكته على الأحمقين، ثم ينادي من بعيد من جديد إلى كل جهة: هيا هل تعبت يا صاحبي والاثنان منهمكان في حبل بالفم فلا ينطقان ويشدان من دون أمل.

حتى تعب الحيوانان الهائلان عظيما الجثة من كل طرف، واعترفا للغيلم بأنه ذو بأس شديد ويعادلهما في القوة.. وبذلك دخل السلحفاة الغيلم نادي الأقوياء!

روى هذه القصة روبرت غرين في كتابه (كيف تمسك بزمام القوة؟) تحت القانون السابع (اجعل الآخرين يقومون بالعمل نيابة عنك ولكن احصل على الفضل دائما) وأتى بالعديد من الأمثلة على عمل الحيوانات في الطبيعة، ومن قصص التاريخ نقل عن المسكين تيسلا الصربي وكيف ضحك عليه أديسون فكان الأول يتعب والثاني يحصد أتعابه مقابل دراهم معدودة، كما نقل عن الفاتح الإسباني (دي بالبوا) الذي دفع ثمن هذه الحماقة قطع رأسه وحصد (بيزارو) ثمن اكتشافاته في الدورادو (مملكة الإنكا) في البيرو، وكذلك عن الفنان (روبنز) الذي كان يستخدم الآخرين في إخراج اللوحات فإذا جاء الزبون طرد كل الرسامين وتظاهر بالإنتاج الهائل فذهب اسمه مثلا في الإنتاج وهو كذاب أشر ومحتال ذكي.

وينقل عن بسمارك قوله: (الحمقى يتعلمون من تجاربهم الخاصة أما أنا فأفضل أن أتعلم من تجارب الآخرين) وهو الدرس الذي يمكن سوقه أيضا عن بعض الزعماء العرب الذين تقوم حاليا في بلدانهم ثورات لكنهم لم يستفيدوا مما جرى في المنطقة، فلم يستفد أحدهم من هرب بن علي ولا انهيار هرم حسني مبارك، وكان عليه دفع الثمن من تجربته الخاصة بدون الاستفادة والعظة مما حدث عند آخرين.

يقول الحديث: (الشقي من شقي بنفسه والسعيد من وعظ بغيره) وفي القرآن في سورة الحشر (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وهوالدليل الذي استخدمه ابن حزم في المصدر الرابع للتشريع بعد القرآن، والسنة، والإجماع، (القياس).

ويروى عن أديسون قوله (معظم الناس يسرقون في التجارة والصناعة وأنا سرقت الكثير وأعرف كيف أسرق جيدا خلاف الآخرين المكشوفين المفضوحين المغضوب عليهم).

وهكذا كما جاءت في خرافات جوتهولد ليسنج (1729 ـ 1781م) أن الدجاجة العمياء كانت تنبش التربة بدأب وتتعجب من ضياع حبات الحنطة والشعير التي تضيع، لأنها لم تنتبه إلى دجاجة مبصرة تنتظر في كل مرة خروج الحبة فتلتهمها.