يُصادف اليوم (3 مايو) من كل عام، ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي تحتفل به ومنذ أكثر من عشرين عاماً منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، إيماناً منها بحرية التعبير من خلال صحافة حرة ومستقلة ونزيهة، وكذلك عرفاناً منها لكل شهداء الصحافة الذين قضوا قرباناً لصاحبة الجلالة، ومن أجل مبادئ الحرية والمساواة والشفافية والخبر الصادق، وقوائم الشهداء من الصحفيين تعج بالأسماء الصغيرة والكبيرة، بالمبتدئين والمشهورين، ولكنهم قضوا من أجل هدف واحد، وهو إيصال المادة الصحفية بصدق ومهنية وشفافية للجماهير، وتُشير تقارير منظمة "مراسلون بلا حدود"، وهي منظمة مستقلة إلى أن أكثر من 500 صحفي فقدوا حياتهم خلال العقد الماضي فقط. ويُعتبر هذا التاريخ من كل عام فرصة كبيرة لكل المدافعين عن حرية الصحافة من صحفيين ومثقفين وسياسيين ونشطاء حقوقيين واجتماعيين، وذلك للمطالبة بوجود أجواء ومناخات صحفية حرة ومستقلة ومسؤولة، ومن أجل ذلك تُنظم المهرجانات والملتقيات والفعاليات والاحتفالات لتكريس هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة كدلالة رمزية وتاريخية في ثقافة ومزاج وسلوك القائمين على صناعة الصحافة، والإعلام على وجه العموم، فضلاً عن المجتمعات أو الأفراد.

وبالعودة للوراء قليلاً، وتحديداً في 3 مايو من عام 1991م، اجتمع عدد من الصحفيين الأفارقة الطموحين في "ويندهوك" بناميبيا، واتفقوا على صياغة إعلان، عُرف بـ "إعلان ويندهوك"، والذي نتج عنه فيما بعد اعتبار اليوم الثالث من مايو من كل عام يوماً عالمياً لحرية الصحافة، والاحتفال بهذا اليوم يُمثل دعوة متقدمة لحماية المبادئ الأساسية لحرية التعبير في المجال الصحفي التي تنص عليها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وسوف يكون الموضوع الرئيس لمؤتمر هذا العام الخاص باليوم العالمي لحرية الصحافة والذي يُقام في اليونيسكو بعنوان "وسائل الإعلام في القرن ال21: آفاق جديدة وحواجز جديدة"، وهذه ترجمة أمينة ــ كما أظن ــ للعبارة باللغة الإنجليزية والتي تصدرت الموقع الإلكتروني لليوم العالمي لحرية الصحافة، ويبدو أنه اختيار ذكي وفي محله من قبل المنظمين لهذا المؤتمر، وذلك للأهمية الكبرى لمفهوم الإعلام الجديد الذي يُعد ثورة تقنية ومهنية وحرفية في مجال الإعلام، وسوف يُسلط ـ أي المؤتمرـ الضوء على الصعوبات والتحديات والفرص التي تُتيحها التكنولوجيا الجديدة، أو ما بات يُعرف بالإعلام الرقمي الذي يُسيطر تقريباً على كامل المشهد الصحفي العالمي، إعلام بلا قيود، وفضاء بلا حدود، وثورة بلا توقف، إعلام غير كل أدبيات ومفاهيم ومبادئ وقيم الإعلام التقليدي السابق، حيث لم تعد الرقابة ممكنة، ولا يستطيع أحد إيقاف هذا التدفق الهائل من المواد الإعلامية المختلفة الذي تضخه الماكينات الإعلامية الجديدة كالفيس بوك والتويتر والوات ساب، وغيرها من هذه الوسائط والوسائل الإعلامية المتمردة على كل شيء تقريباً.

والآن، وبعد كل هذا الرصد التاريخي والإعلامي لهذه التظاهرة العالمية المهمة التي تحظى بعناية فائقة واهتمام كبير من غالبية الدول والمجتمعات المتقدمة والمتحضرة، لابد من سؤال، بل عدة أسئلة، وهي أسئلة من النوع الذي لا يحتاج إلى إجابة، لأنها أصبحت ـ كما أظن ـ شعارات تُصاغ على شكل أسئلة، شعارات تُنادي بحرية التعبير واستقلال الصحافة، شعارات يصدح بها الصحفيون الحقيقيون صباح مساء وفي كل مكان من العالم. ما هي الصورة الحقيقية لواقع الصحافة العالمية؟، هل في عالمنا العربي صحافة حرة ومستقلة ونزيهة؟ هل يستطيع الصحفي العربي الحصول على المعلومة من أي مكان وبمصداقية وشفافية؟، لماذا تغيب الأرقام والنسب والإحصائيات الحقيقية عن صحافتنا؟ لماذا لا يثق المواطن العربي بما يُنشر في غالبية صحفنا؟ ما هي الرسالة التي تحملها صحافتنا، بل وإعلامنا العربي؟ هل استطاعت صحافتنا العربية إيصال صوت وقضايا وهموم وتحديات المواطن العربي من المحيط إلى الخليج؟ هل ساهم الإعلام العربي في تثقيف وتوعية وتشكيل الشعب العربي لكي يُطالب بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ هل تحولت الصحافة إلى وسيلة ارتزاق؟ أسئلة كثيرة قد تُثار في هذا اليوم الرمزي لحرية الصحافة.

بصراحة شديدة، لست أدري إذا كان هناك من يحتفل بهذا اليوم، ولكن أغلب الظن أنه قد يمر دون أن يلتفت إليه أحد في عالمنا العربي!