في البقية من الإضاءة الموجزة لفكر عبدالرحمن الكواكبي (1855-1902) في كتابه "طبائع الاستبداد" التي بُني عليها مقال الأسبوع الماضي نجد أن الكواكبي كان يرى أن الأمَّة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحريّة، ويؤكد أن الاستبداد لا يقاوَم بالشدة وإنما يُقاوم باللين والتدرج، ولا يفوته توضيح أن يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ما يُستَبدَل به الاستبداد.

ولو أتينا إلى هذه المعايير لرأينا أن الدول العربية التي ثارت شعوبها في الآونة الأخيرة لم تفكر في المعيار الأخير منها وهو تهيئة ما يستبدل به الاستبداد.. فيما خرجت الحالة الليبية عن المعيار الثاني إذْ تحولت المقاومة فيها إلى حرب مليئة بالعنف والدمار. وبالنظر إلى المعيار الأول نكتشف أنه من المنطقي أن الشعوب لم تتحرك لولا شعورها بآلام الاستبداد، ما يعني أنها تستحق الحرية. ويبني الكواكبي فكرته الأخيرة انطلاقا من أن "الأمة إذا ضُرِبَت عليها الذلّة والمسكنة، وتوالت على ذلك القرون والبطون، تصير تلك الأمَّة سافلة الطِّباع... حتى إنَّها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية... وقد تنقم على المستبدِّ نادراً، ولكنْ، طلباً للانتقام من شخصه لا طلباً للخلاص من الاستبداد...".

وأما فكرة أن الاستبداد لا يقاوم بالشدة، إنما بالحكمة والتدريج فهي لدى الكواكبي تعتمد على أن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يحدث إلا بالتعليم والتحميس. وبالإضافة إلى ذلك يكون الاستبداد محفوفاً بأنواع القوات التي فيها "قوة الإرهاب بالعظمة وقوة الجند، وقوة المال.... فهذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف لا يُقابَل بعصا الفكر العام الذي هو في أوَّل نشأته يكون أشبه بغوغاء".

ومختصر فكرة تهيئة ما يُستبدل به الاستبداد قبل مقاومة الاستبداد، أنه من الضروري تقرير شكل الحكومة التي يراد ويمكن أن يُستبدل بها الاستبداد. وهذا الاستعداد الفكري النظري بقناعة الكواكبي لا يفترض أن يكون مقصوراً على النخب، "بل لا بد من تعميمه ليكون بعيداً عن الغايات ومعضوداً بقبول الرأي العام".

• في بقية الحديث: شكلت سيطرة خبر مقتل أسامة بن لادن على الأخبار، فرصة لبعض قوى الاستبداد التي تواجه ثورات شعوبها في أن تزيد من جرعة البطش بالباحثين عن الخلاص من مواطنيها، وإلى أن تعود الثورات إلى واجهة الأخبار، فلكل حادث حديث لدى أي مستبد ليس بعادل.