ينظر للمنافسة في عالم الأعمال من منظور إيجابي يصب في مصلحة العميل، ويعمل على تحسين المنتج. فكلما زاد عدد المصنعين لنفس السلعة؛ حتم ذلك على التاجر ضرورة تطوير المنتج، حتى لو على حساب تقليص صافي الربح، وذلك للحصول على حصة أكبر من العملاء في السوق.
ولتحقيق هذه القاعدة، يتطلب الأمر وجود أكثر من موفر للخدمة في السوق، حتى ينعكس على جودة الخدمة. وبالرغم من أن هذه تعتبر قاعدة بسيطة ومنطقية، لا تحتاج لكثير من الذكاء، إلا أنها في العالم العربي لا تعمل بنفس الفعالية، وأكاد أجزم بأنها لا تعمل تماما في بعض القطاعات والمنتجات. ففي مجال الاتصالات لدينا يوجد ثلاث شركات رئيسية تتنقل بينها، وتتذكر المثل الشعبي من حفرة لدحديرة يا قلبي لا تحزن، مستوى خدمة لا يمكن وصف رداءته، مما جعلني أفكر أنهم ربما يتنافسون في العالم العربي على الرداءة. عموماً ما زالت شركات الاتصالات تدعي، ولو من قبيل الحفاظ على البرستيج، أنها تعمل على رضا العميل، ليس مثل بعض المجالات كالصحة والتجميل التي تعمل عكس القاعدة، فموفرو الخدمة بالآلاف مقابل خدمة غاية في الرداءة، مع أرباح خيالية. فما هو سر هذا التناقض؟
ربما أن الكثير من الزبائن لا يعرفون أفضل مما هو موجود، وبالتالي فإن حاسة النقد الاستهلاكية غير نامية لديهم، أو أن الزبون قد سمع بما يسمى جودة المنتج، لكن توقعاته منخفضة، كنوع من اليأس من تحسن الأحوال. وقد تكون توقعاته كزبون منخفضة كجزء من توقعاته الأساسية من الحياة نفسها، فالكثير من الناس أفضل متطلباتهم من الحياة، هي الستر وحسن الخاتمة، فالخدمة أولى بأن تكون أقل. وربما كذلك الشتات الاجتماعي الذي يعيشه المواطن العربي، فهو لا يدرك مدى أهمية الرأي الجماعي والحراك الجماعي، فإذا ما أدرك الناس قوة ضغط رأيهم كجموع على الشركات التي تربح البلايين مقابل خدمة رديئة وضارة أحيانا، حينها قد يفكرون في توظيف هذه الخاصية لمصلحتهم، واستخدامها كورقة رابحة للضغط على أصحاب الأعمال. والسبب هذا يقودنا لأهم أمر ألا وهو غياب مؤسسات المجتمع المدني، ذات الدور الحقيقي، والتي تمثل قناة للضغط الجماعي، والفعال لحماية الزبون. هذه المؤسسات لا تمثل فقط العملاء، بل تمثل المجتمع بأكمله، فتعنى بالحفاظ على حقوقه وسلامته، وتثقيفه استهلاكياً.
مؤسسات المجتمع المدني هي التي تجعل قانون العرض والطلب والمنافسة، قانونا فعالا يصب في مصلحة المستهلك.