نحن في المرتبة الثامنة والسبعين على لائحة منظمة الشفافية التابعة للأمم المتحدة. في موقع مثالي على وسط قائمة من 160 دولة. والمثالية التي أقصدها في المكان والمرتبة أن هذا الموقع يتيح لنا بامتياز أن نتفرج على أهل اليمين في المراتب التي تسبقنا وعلى أهل اليسار في الدول التي تأتي بعد موقعنا بمجرد حركة رأس نصف دائرية. نحن تماماً مثل من يجلس في منتصف الديوان أو المجلس. يستطيع أن يسمع – السالفة – من الجميع بكل وضوح وأن يشاهد تجارب المتقدمين والمتأخرين حتى بنصف عين من وسط دائرة المجلس. والتقدم الإيجابي الوحيد الذي حصدناه هذا العام بالقياس مع العام السابق أننا نزلنا هبوطاً من المرتبة الثانية والخمسين في تقرير عام 2010 إلى الثامنة والسبعين في حصاد البارحة. وكل هذا (القهقرى) يحدث في بحر العام الأخير الذي ارتفع فيه كما لم يرتفع من قبل صوت الجميع القوي ضد الفساد، فتراجع في ذات العام الذي صارت فيه كلمة – الفساد – ومحاربته على ألسن الجميع وعلى عناوين الصحف وتصريحات المسؤولين، تماماً مثلما تنتشر صيدليات أصحاب السعادة في شوارعنا العامة. ومع هذا الواقع المؤلم في ترتيبنا الأخير على لائحة الشفافية العالمية، إلا أن الموضوع لا يخلو من بعض الإشارات اللافتة. نحن ولله الحمد مازلنا نتفوق في مستوى الشفافية على نيبال وبنجلاديش وناميبيا ونبتعد عن هؤلاء ولله الحمد جميعاً بسبعين درجة. مازلنا، وهنا المفارقة، أفضل في الترتيب من تشيكيا والبرتغال، وهنا برهان جديد على أننا في بعض الأحيان نستطيع أن نسبق الخواجة الأشقر وأن يكون على يسارنا ونحن في منتصف الصالون أو المجلس. وما ينشره التقرير هو ترتيب مجتمعات الصلاح والفساد لا حجمه أو طبيعته. وقصتي على الدوام مع الحجم والكتلة. مع الوزن لا مع الطول والعرض. نحن نسبق نيبال وبنجلاديش مثلما نحن أفضل من 80 دولة أخرى تصطف خلفنا في الطابور، ولكن: ماذا لدى البنغال والنيبال من المال كي (يبعزقوا فيه)؟، لأن التبذير يبقى مسألة نسبية. بضعة من مشاريعنا المليارية المتوسطة الحجم قد تساوي ميزانيات آخر عشر دول على ذات القائمة في عام كامل مجتمعة. نحن إمكانات مادية هائلة من العيار الثقيل، ولهذا نجد الدهن في وسط المجلس. ضربة فساد واحدة قد تأخذنا عشر مراتب في ضربة واحدة ومن المرجح أنها ستأخذنا إلى آخر الصالون: على الأقل سنتعلم من هؤلاء بضع لغات جديدة، لأن الفساد نفسه يحتاج إلى لغات غرائبية. بالمناسبة كم تساوي 78 ناقص 52؟