كما أن للجيش السعودي جنودا مجندة للدفاع عن حدود هذا الوطن، وكما أن لقوى الأمن الداخلي عيونا ساهرة لحماية أمن هذا الوطن، فإن لقطاعنا الخاص سواعد وطنية بعقول تقنية قادرة على العمل والبذل والعطاء لدرء مخاطر تفشي البطالة وانتشار الفقر وتراجع وتيرة التنمية.
قبل خمس سنوات وضعت المملكة حجر الأساس لخمس مدن اقتصادية بمواصفات عالمية وبتكلفة أولية فاقت قيمتها مئة مليار دولار، تهدف إلى تطوير صناعة الطاقة وتنشيط قطاع الخدمات واستقطاب المعرفة وتوطين التقنية وتوفير الوظائف. بدأ تنفيذ أولى هذه المدن في قرية رابغ على شواطىء البحر الأحمر لتحمل اسم راعي مسيرة الإصلاح الاقتصادي الملك عبدالله بن عبد العزيز.
عجلة النمو الاقتصادي لا تدور بدون توطين الوظائف وتشجيع الاستثمار في الأنشطة الخدمية ودعم مدنها الاقتصادية. في اليابان تفوق نسبة مساهمة هذه المدن في قطاع الخدمات بحوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي أميركا وأوروبا 79%، وفي جنوب شرق آسيا 78%، ولكنها ما زالت أقل من 40% في المملكة لضعف نسبة المواطنين العاملين في قطاع الخدمات.
يحتوي قطاع الخدمات على 12 نشاطا رئيسيا و155 قطاعا فرعيا، من أهمها تجارة الجملة والتجزئة والاتصالات والسياحة والنقل والتشييد والعقار والخدمات المهنية والمالية والصحية والهندسية. وبالمقارنة مع قطاع السلع، فإن قطاع الخدمات يتميز في إثراء القيمة المضافة المحلية وتحفيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
في المملكة استحوذ نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق خلال عام 2010 على أكثر من 30% من مجموع العمالة الوافدة، بينما بلغت نسبة السعودة فيه أقل من 30%، يليه نشاط التشييد والعقار بنسبة سعودة لا تزيد عن 20% والصناعات التحويلية بنسبة 18%.
ونظراً لأن المملكة تتميز دولياً بمركزها الثاني في نسبة عدد السكان لمن هم دون سن السادسة عشرة، أصبحت السعودية تحتل المركز الخامس بين أبطأ الدول في نسبة النمو الاقتصادي، لكونها قفزت إلى المرتبة السابعة عشرة من بين أكثر الدول استخداماً للعمالة الوافدة في هذا القطاع، الذين فاقت تحويلاتهم النقدية أكثر من 28 مليار دولار سنوياً. ويرجع ذلك إلى أن هذا القطاع يعتمد على أعداد الوافدين من مختلف الجنسيات للعمل في الأنشطة الخدمية المختلفة، حيث بلغت نسبة نمو العمالة الوافدة في المتوسط خلال العقد الماضي إلى أكثر من 4,5% سنوياً، وهي من أكبر نسب نمو العمالة الأجنبية في العالم.
بنهاية العام الماضي فاق عدد السجلات التجارية المسجلة في المملكة 800,000 سجل، وارتفع عدد المنشآت التجارية القائمة إلى 695,000 منشأة، تمتلك أكثر من 11,300 وكالة تجارية مسجلة. كما ارتفع عدد الشركات العاملة إلى حوالي 22,000 شركة، برأسمال إجمالي يزيد عن 657 مليار ريال، أهمها الشركات المساهمة التي فاقت 405 شركات، منها 134 شركة متداولة في سوق الأسهم و271 مساهمة مقفلة، مجموع رأسمالها وصل إلى 483 مليار ريال.
الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي فاقت 17,000 شركة ارتفع مجموع رأسمالها إلى 159 مليار ريال، تليها الشركات ذات التوصية البسيطة التي وصل عددها إلى 1,250 شركة برأسمال إجمالي قدره 11 مليار ريال، ثم الشركات التضامنية التي بلغ عددها 3,140 شركة برأسمال إجمالي يساوي 4 مليارات ريال. أما عدد المصانع العاملة فلقد ارتفع إلى أكثر من 4,400 منشأة موزعة على 19 مدينة صناعية في مختلف مناطق المملكة، برأسمال إجمالي مستثمر فاق 383 مليار ريال.
في هذه الشركات والمصانع لا يخفى على قطاع الأعمال السعودي، أن المملكة التي تتربع على المركز الأول عالمياً في كمية المخزون النفطي وإنتاجه وتصديره، مازالت أيضاً من أضعف دول العالم في استغلال قطاع الخدمات، بل هي المستهلك الأكبر لأنشطته ضمن الدول النامية.
وفي هذه المؤسسات الوطنية لا يمكن للأنشطة الاقتصادية أن تساهم في مسيرة التنمية الحقيقية دون توطين وظائفها، خاصة أن قوة العمل في السوق السعودي ستتضاعف أعدادها خلال العقد القادم، لترتفع من 7 ملايين في عام 2010 إلى أكثر من 14 مليون مواطن قادر على العمل في عام 2020. ويرجع ذلك إلى أعداد الطلبة والطالبات الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من 6 ملايين، إضافة للمبتعثين إلى خارج المملكة الذين فاق عددهم 110,000 طالب وطالبة.
نحن اليوم في أمس الحاجة لهذه المدن الاقتصادية لاستيعاب قوة العمل الوطنية القادمة، وعلينا تشجيعها لتمارس مهامها وتحقق أهدافها وأغراضها، والتي من أهمها رفع نسبة النمو الاقتصادي الحقيقي سنوياً، وزيادة الصادرات غير النفطية، وترسيخ مبادىء الاقتصاد المعرفي. فهذه المدن هي التي ستحقق تنويع القاعدة الإنتاجية وإثراء القيمة المضافة المحلية وتخفيف الاعتماد على النفط كسلعة وحيدة للدخل، إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية وتوطين التقنية وإثراء المعرفة.
وهذه الخطوات الاستراتيجية، التي يجب أن نضعها نصب أعيننا، ليست ضرباً من أساطير الخيال، بل هي الخيارات الوحيدة المتاحة أمامنا لتحقيق أهداف مسيرة الإصلاح الاقتصادي الرامية إلى الفوز بالمراكز الأولى عالمياً في صناعة وأبحاث وخدمات الطاقة بجميع أنواعها والمياه بكافة مصادرها وابتكار تقنياتها وتسجيل براءات اختراعها وتطوير معدات وأجهزة محطاتها وقطع غيارها.
علينا الإقتناع بجدوى المدن الاقتصادية السعودية، ودعمها بكامل قوانا لترى النور وتؤدي دورها وتحقق أهدافنا التنموية.