أمير منطقة الباحة مشاري بن سعود مسؤول طموح، يسعى لتطوير المنطقة بشتى السبل، فهو يحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المشاريع الحكومية النوعية، ولذلك تجده إما في استقبال وزير وافق على زيارة المنطقة، أو زيارة آخر في الرياض ممن لا يجد حاجة لزيارة الباحة بصفتها من المناطق النائية التي لا يراها بعض الوزراء على الخريطة بوضوح، وعلى الجانب الآخر يغذ مشاري بن سعود الخطى نحو القطاع الخاص، وهذا المشوار بالذات بدأه قبل أن يباشر في المنطقة حيث عقد لقاءات مع مستثمرين ورجال أعمال فور صدور الأمر الملكي بتعيينه، ثم استمر يلتقي ويدعو ولا يدع مناسبة أو مؤتمرا استثماريا إلا وحضره عارضا فرص الاستثمار ومقدما الإغراءات المصاحبة، وقال وكرر إنه مستعد أن يتحول إلى معقب معاملات عند أي مستثمر يرغب أن يضع بعض استثماراته في المنطقة، وعند نقطة التعقيب هذه أريد أن أقف قليلا للتأمل.
الباحة مغرية للاستثمار في جوانب عدة أولها الجانب السياحي وهو موسمي لكن المشاريع السياحية مع بعض الإضافات والخدمات يمكن أن تعمل طيلة العام نظرا لمحدودية متنفسات النزهة والترفيه أمام سكان المنطقة حاليا، لكن الاستثمار الأكثر إغراء يكمن في قطاع الخدمات الصحية والتعليمية وكثير من الصناعات الاستهلاكية الخفيفة ونحو ذلك في قطاع الخدمات، وهي في المجمل يمكن أن تندرج تحت مسمى المشاريع الصغيرة المجدية استثماريا من جهة وتوظيفيا لأبناء وبنات المنطقة خاصة وغيرهم من أبناء وبنات المملكة عموما، وهنا سأعود إلى نقطة التعقيب التي استعد بها سمو الأمير، لأقول إن الباحة ليست الرياض ولا جدة والشوارع التجارية فيها محدودة جدا، لكن الشروط التي تفرضها الإدارات الحكومية في المنطقة هي ذاتها الشروط المركزية التي تضعها الوزارات في الرياض وتعممها على فروعها دون أي اعتبار لواقع وطبيعة كل منطقة، هذا فضلا عن اختلاف الشروط بين إدارة وأخرى حول مشروع واحد، وسأضرب على ذلك مثلا حيا لعله يقرب ويوضح الصورة.
هناك سيدة متخصصة في اللغات والترجمة وعندها خبرة طويلة، أرادت أن تستثمر في الباحة وتفتح معهدا لتعليم اللغة الإنجليزية للفتيات، وفعلا درست المشروع وقررت تنفيذه فاستأجرت مبنى جديدا من أفضل مباني الباحة (والجود من الموجود)، وبدأت مباشرة في استكمال إجراءات الترخيص، وهنا وجدت العجب العجاب فمنذ بضعة أشهر وهي – كعب داير– بين إدارة التعليم والبلدية، إدارة التعليم موافقة فالمبنى والطلبات والشروط مكتملة في نظرها فهذا معهد لغة للبنات، أما البلدية فتريد تطبيق شروط المدارس الأهلية الموجودة على موقع وزارة البلديات لأن الوزارة –أصلا– ليس لديها شروط للمعاهد فكله عندها مدارس أهلية هذا أولا، أما ثانيا فهي تريد تطبيق الشروط –على غرابة بعضها– التي تصلح في جدة أو الرياض على الباحة، فالبلدية تقول إن المبنى لابد أن يكون على شارع تجاري، وفضلا عن غرابة مثل هذا الشرط للمدارس الأهلية والمعاهد التي يفترض أن تكون بعيدة عن الشوارع المكتظة في جميع المدن، فضلا عن ذلك فإن شوارع الباحة التجارية كلها أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، ومع أن صاحبة المشروع كانت تأمل أن ينتهي الترخيص لتبدأ في التجهيزات الأخرى التي تتطلب وقتا ومالا، لكن يبدو أن العام الدراسي القادم سيبدأ وهي تراجع أو تتجه للأمير وتطلب تعقيبه على ترخيصها، أو تطفش وتبطل.
ما أوردته أنموذج لضرورة أن يلتفت الأمير لمديري كافة الإدارات بالمنطقة أولا، ويشرح لهم كيف يمكن أن تجذب المنطقة المستثمرين الصغار وتغريهم، وتشجعهم، وذلك قبل التعقيب على معاملات كبار المستثمرين التي قد تتطلب زيارات مكوكية بين الباحة والرياض، فالعُقد واحدة، لكني أظن أن الأمير مشاري قادر على (دق خشوم) عُقد المنطقة فهي الأساس، طبعا أقصد (الدق الناعم).