لا أنوي طرح الموضوع من وجهة نظر اقتصادية، بل من وجهة نظر ثقافية متعلقة بالقيم الأساسية السائدة والمفاهيم التي تدخل في صناعة قراراتنا وتنفيذها. عندما تكتب عنوانا مثل "رضا العملاء" أو "الحفاظ على الزبائن" أو "ولاء العملاء" في محرك البحث "جوجل" سيخرج لك أكثر من نصف مليار موقع كلها كتبت حول هذا الموضوع، مما يعكس مدى أهمية الزبون في مجال الأعمال. وفي فترة السبعينات والثمانينات كان السياح العرب في دول أوروبا وأميركا يعودون بقصص حول فن خدمة الزبون والثقة التي تمنح له والدلال الذي يحصل عليه في المطاعم أو محلات البيع وكأنها من صنع الخيال، فالبضائع تعاد ويستعاد ثمنها بعد أيام والطعام وقد التهم نصفه يمكن إعادته، وقصص أخرى كانت تصدم السائح العربي في فهمه للآخر.

ومع مرور عشرات السنوات على مفهوم الإبداع في خدمة العميل إلا أن العالم العربي مصرّ على النمط الخاص به في تقديم الخدمة، فإلى الآن لم أجد شركة أو مؤسسة أو حتى سوبر ماركت يعنى برضائي كزبون أو حتى يلقي بالا حقيقياً وصادقا لشكوى الزبائن. لا فرق في هذا التوجه بين موفري الخدمة من جميع الجنسيات العربية. ولا فرق كذلك بين قطاع خاص أو حكومي سوى أن موظف الحكومة هو المشرع ولا مرجعية له سوى ضميره أو عقله حيث تكمن المشكلة.

ومن خبرتي الطويلة في المجال الخدمي لاحظت أنه أثناء تناولنا لمشاكل العملاء يأخذ الحديث عن العميل طابع التشكيك العدواني المغلف بطبقة مزيفة من العبارات المتعلقة بمفهوم رضا العملاء العصري. فالزبون بالنسبة لموفر الخدمة هو كائن استغلالي لا يمكن الوثوق في ذمته ولا بد من محاصرته بالأنظمة وإرغامه على سياسة الأمر الواقع، بحيث يتقبل خدمات سيئة دون منفذ قانوني، كما تفعل بعض شركات الاتصالات لدينا.

برأيي أن النظرة العدوانية للعميل كإنسان، ولا قيمة لضميره ولا لتطلعاته ورغباته هي ذاتها النظرة التي نشأنا عليها والتي عوملنا بها. فهي انعكاس لنظرتنا لذواتنا ولغياب مفهوم حقوقنا كبشر عن عقولنا. فالاستهانة بحقوقنا في الرفاهية وقدرتنا على الفهم تبرر لنا التهاون بحقوق الآخر وتركه يعاني دون أي مساءلة للضمير سواء كان زبونا أو جارا أو صديقا.