ما من إنسان إلا وله عيوب، فكما للناقد عيون تبصر الأخطاء وترى الثغرات وله لسان ينتقد به تلك الأخطاء والثغرات، فللناس أيضا عيون ترى أخطاءه وعيوبه وثغراته وأفواه تتحدث عنها.
وقد اهتم الإسلام في علاقة الإنسان بالآخرين في كل ما يتكلم به لأن الكلام هو الوسيلة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان ليعبر بها عما يفكر فيه ويهتم به وعما ينفتح به على الناس وعما يمارسه من جدل في القضايا التي يختلف فيها معهم، فالكلام هو الجسر الذي يربط الإنسان بالآخرين، وهو الوسيلة التي تصنع للمجتمع تفاهمه وتواصله وتكامله وتعاونه فيما يشترك فيه أفراده بعضهم مع بعض.
والرياضة إحدى هذه الشراكات ذات الاتساع الكبير في شرائح المجتمع السعودي.
ومن الظواهر السلبية المؤذية التي برزت في الموسم الرياضي السعودي الذي يكاد أن ينقضي، ذلك الخروج المتتابع من مسؤولي أندية ومقدمي برامج تلفزيونية ومحللين وكتاب وفئة من الجماهير من خلال إطلاق عبارات غير لائقة وبعضها مشين ولا يتوافق مع إطارنا الديني والثقافي والإنساني، وهو ما يدل دلالة أكيدة على غياب صريح للتهذيب الذي ميز العرب في التاريخ الإنساني وسمة من ثقافتهم التي صدروها في قرون إلى أمم وشعوب فكانت سبيلا إلى التلاقي والانسجام ومن ثم اعتناقا للمبادئ والقيم الإسلامية في قارات الدنيا.
فمن جرأ هؤلاء على هذا الخروج؟!!
من يا ترى نلوم عندما يخرج مسؤول بأحد الأندية ثم يطلق تصريحات انفعالية يكيل فيها عبارات لا تليق بموقعه ولا بالوسيلة الإعلامية ولا بالمتلقي الكريم الذي ينتظر رأياً محترماً موضوعياً مبنياً على أسس سليمة روافدها معلومات وبيانات وتحليلات واقعية وليس مجرد توهيمات وظنون ومؤامرات وتقليل من هذا الطرف وذاك من أجل أن يثبت للمتابع أنه على حق، فيما أن الحقيقة غائبة عنه، فمن يعاقب هذا المسؤول؟
ولماذا اطمأن لدرجة أنه ينال من الآخرين من دون بينة وتمر مرور الكرام؟!
ومن يا ترى نلوم عندما يخرج مقدم برنامج تلفزيوني يصف شريحة جماهيرية بـ(الغنم) ثم يحاول إنكار هذا القول إن كان تلميحاً أو تصريحاً، فيما الطرف الآخر يصر على موقفه من أن هذا المقدم أساء له لكن لا حيلة في أخذ حقه منه لأنه على حد قوله (الطاسة ضايعة)؟!
وعبارات لا حصر لها تخرج من بعض المحللين الرياضيين لا تليق بهم ولا بالنوافذ الإعلامية التي يطلقون عباراتهم من خلالها، في الوقت الذي لم يكلفوا أنفسهم بالإعداد المتكامل لموضوعات الطرح، ولا يعتمدون في كثير من آرائهم على معلومة تقنع المشاهد والمستمع، فمن يا ترى سيردع هؤلاء في خروجهم وتجنيهم وتجاوزاتهم على المسؤولين والفرق باسم النقد الحر؟!
تذكرت هذه التجاوزات وصفاقة اللسان عند البعض لدينا عندما قرأت قرار الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بإيقاع عقوبة بحق أيقونة التدريب الكروي بالجزر البريطانية ألكس فيرجسون، أتعلمون ما فعل حتى نال العقوبة؟ لم يشتم، ولم يحقر، ولم يسفه زميله المدرب المنافس، ولم يهاجم جمهورا، ولم يتجن على أحد على الإطلاق، ما فعله فيرجسون مجرد إشادة بحكم!
وأسألكم: متى يمكننا أن نصل إلى ذلك المستوى في تهذيب عباراتنا وكلماتنا وكذا تصرفاتنا مع بعضنا البعض، ومتى يمكن إحكام السيطرة على التجاوزات اللفظية من أجل مجتمع رياضي خلاق.