أتذكر تلك الفترة التي انتشر فيها قدر الضغط ودخل بقوة إلى حياتنا، وكيف احتفلت به النساء، لأنه ينضّج الطعام بسرعة. بالنسبة لي كنت أشعر حينها بالخوف من مجرد وضع الطعام في القدر وإغلاقه، إذ ترتفع درجة الحرارة وتتبخر السوائل وتضغط كل المحتويات في الداخل دون أن تجد منفذا لها سوى فتحة صغيرة تصدر صوت صفير عالياً، وكأن المحتويات تهدد بالانفجار مطالبة بمتنفس. وفي القصص التي كانت تحكى بين ربات البيوت، ولا أعرف مدى دقتها حول قدور انفجرت بمحتوياتها مسببة خسائر بين الناس والممتلكات، فقط لأن الفتحة الصغيرة كانت مسدودة.
لذا كان على كل ربة بيت أن تتأكد من سلامة الفتحة التي تعمل كمتنفس للبخار الساخن حتى لا ينفجر القدر بمحتوياته. وخوفي هذا جعلني أدرك مبدأ هاما وبديهيا في حياتي، وهو أن الضغط المستمر دون إيجاد متنفس يؤدي إلى الانفجار، ليس فقط مع الأشياء، بل والأحياء أيضا. لذا عندما أشاهد امرأة في حياتها تجعل الخدم يعملون دون رحمة، ثم تسيء لهم بلسانها، ولا تعطيهم حقهم من المال والراحة، ثم لا تترك لهم متنفسا للرد، كأن تتقبل منهم بعض التعبير عن الغضب أو الاحتجاج برفض العمل؛ عندما أرى مثل هذه الشخصيات أذكرها بقدر الضغط، فكما أن الضغط داخل القدر هو ما يجعل السوائل تغلي وتتطاير ضاغطة من الداخل لتحرر نفسها، فإن ضغط الناس دون إعطائهم فرصة للتنفيس عما بداخلهم؛ هو ما يعجل بانفجارهم. لذا كثيراً ما تشعر في المجتمعات العربية التي تفشى فيها قهر الإنسان، وكبت حرياته، بأن هناك غضباً وتوترا في الشوارع، ويصبح الإنسان سريع الانفعال والانفجار لأتفه الأسباب، وتتحول الشوارع محلا للعراك والتنفيس.
وعندما أتأمل ما حدث في بعض الدول العربية حيث وصل الفقر والظلم لمستويات لا توصف دون أن تترك للإنسان حتى الحرية لأن يصرخ ويحتج لينفس عن غضبه؛ أتذكر قدر الضغط وأدرك بداهة ما جعل الثورات تنفجر هنا وهناك. وعلى الرغم من بساطة هذه الفكرة وقدمها وتكرار حدوثها بنفس السيناريو عبر التاريخ؛ إلا أن ذاكرة البشرية أثبتت أنها ليست مصدرا للمعرفة أو للعظة، فما زال الناس فرادى وجماعات يكررون نفس الخطأ بنفس الطريقة.