استمرت تداعيات سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان الهولندي فنسنت فان جوخ من متحف محمد محمود خليل وحرمه في قلب القاهرة، فيما اتهم وزير الثقافة المصري فاروق حسني بـ"الإهمال".

وقد كشفت سرقة اللوحة الشهيرة عدم كفاءة تدابير الحماية والأمان لممتلكات العديد من المتاحف المصرية في قطاعي الآثار والفنون التشكيلية والتي تصل قيمتها إلى مئات مليارات الدولارات.

فممتلكات متحفين فقط من متاحف الفن التشكيلي هما متحف الجزيرة المغلق منذ 25 عاما ومتحف محمد محمود خليل تصل قيمتها حسب بعض الخبراء المصريين إلى ما يقارب 30 مليار دولار.

وقرر رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار جودت الملط أول من أمس تشكيل لجنة رئيسية من أعضاء الجهاز في الإدارة المركزية للرقابة المالية على الوزارات الرئاسية والاقتصادية والخدماتية، للقيام بدراسة شاملة للمتاحف والمعابد التابعة لوزارة الثقافة.

وقال الملط إن "اللجنة سوف تدرس مدى صلاحية الأنظمة الأمنية وسبل توفير الحماية اللازمة للمتاحف والمعابد وتأمين المداخل والمخارج ومدى وجود العاملين المدربين القادرين على تشغيل الأنظمة، (...) إلى جانب بحث مدى توافر الاعتمادات المالية وتحديد مسؤولية العاملين بالمتاحف والمعابد والذين يتولون سلطة الإشراف والرقابة عليهم وموقف القيادات العليا".

وستشمل الدراسة المتحف المصري والقلعة ومتحف الإسكندرية القومي ومتحف المجوهرات الملكية في الإسكندرية ومتحف الأقصر ومتحف أبو سمبل ومتحف النوبة ومعابد الأقصر وأبو سمبل وكوم إمبو وادفو ودندرة.

وفي موازاة قرار الملط، اتخذ وزير الثقافة المصري فاروق حسني أول من أمس قراراً بتشكيل مجموعة من اللجان المختصة "تضم مجموعة متميزة من كافة التخصصات المعنية من فنانين وقانونيين ومتخصصين في الأمن ومتخصصين في العهدة وخبراء في المتاحف والتأمين للقيام بـ(جرد عهدة) لجميع المتاحف القومية".

ونص القرار على أن "تبدأ اللجان عملها اليوم وبشكل دوري في جميع المتاحف وتقوم بوضع جدول زمني محدد للعمل المتواصل في كافة المتاحف الفنية والقومية، وذلك لعمل تقييم شامل على أرض الواقع يستهدف جمع البيانات الحقيقية لحالة المقتنيات في جميع هذه المتاحف".

إلى جانب ذلك "ستقوم اللجان بتقييم المقتنيات الفنية واللوحات في كل متحف بشكل يومي وعمل تقارير من أرض الواقع تعرض بشكل عاجل على وزير الثقافة شخصيا لاتخاذ الإجراءات الفورية بشأنها في ما يتعلق بعمليات الترميم أو الصيانة للحفاظ على هذه الثروات القومية".

وجاءت هذه القرارات في الوقت الذي جددت النيابة العامة حبس رئيس قطاع الفنون التشكيلية محمد محسن شعلان وخمسة من العاملين معه لمدة 15 يوما بتهمة الإهمال والإضرار بالممتلكات العامة.

من جهته، اتهم شعلان وزير الثقافة المصري في مذكرة تقدم بها محاميه سمير صبري إلى نيابة شمال الجيزة بـ"الإهمال وانتهاج سياسة إدارية فاشلة أدت إلى وصول المتاحف إلى حالة متردية"، مؤكدا أن "إهمال الوزير هو السبب المباشر في سرقة لوحة زهرة الخشخاش".

وأكد شعلان في مذكرته أن "تركيز الوزير على تشييد المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارات وحجز مئات الملايين من الجنيهات لضمان بقائه في الوزارة إلى 20 عاماً مقبلة، كل هذا جاء على حساب المتاحف القائمة وحالة الإهمال التي تعيشها".

واتهم شعلان حسني بـ"تجاهل إعادة فتح وترميم متحف الجزيرة الذي يضم أكثر من أربعة آلاف لوحة مهمة، وكذلك متحف حسين صبحي الذي يضم عددا مهما من اللوحات والأعمال العالمية التي بقيت مهدرة في القبو تحت السلم معرضة للرطوبة والعوامل السيئة".

وكان الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار زاهي حواس الذي اختير لرئاسة لجنة متابعة تطوير الأجهزة الأمنية للمتاحف التابعة لوزارة الثقافة قام قبل ثلاثة أيام بإغلاق متحف النوبة لعدم كفاءة أجهزة حمايته لمدة أسبوعين بهدف تطويرها.

وفي اليوم التالي، قرر وزير الثقافة فاروق حسني إغلاق ثلاثة متاحف هي متحف محمود سعيد في الإسكندرية ومتحف الخزف الإسلامي في القاهرة ومتحف أحمد شوقي في القاهرة.

يشار إلى أن رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس رصد جائزة قيمتها مليون جنيه لمن يدلي بمعلومات تساعد في استعادة اللوحة المسروقة.

وأفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية أول من أمس بأن شخصاً واحداً فقط يتولى عادة حراسة متحف محمود خليل، كما أن غالبية كاميرات المراقبة في المتحف معطلة منذ العام 2006.

وبحسب تحقيقات النيابة العامة المصرية بشأن سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، فقد خفض متحف محمود خليل عدد العناصر الأمنيين فيه من 30 إلى 9، كما أنه في أغلب الايام كان يوجد عنصر أمني واحد في المتحف، وفق ما ورد في الوكالة.

وقامت النيابة العامة المصرية بتوجيه تهمة الإهمال إلى 16 من العاملين ورؤساء المتحف ورئيس قطاع الفنون التشكيلية ومنعتهم من السفر إلى الخارج.

وقبل ذلك، وجه النائب العام في مصر عبدالمجيد محمود انتقادات حادة للمسؤولين عن حماية اللوحات في متحف محمود خليل، واصفاً التدابير الأمنية فيه بالهزيلة والشكلية، على الرغم من ضيق مساحة المتحف ومحدوديتها، مما كان من شأنه تسهيل مهمة التأمين والمراقبة.

يذكر أن متحف محمود خليل يضم مجموعة من أهم مجموعات الأعمال الفنية الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين في الشرق الأوسط. ويحمل اسم محمد محمود خليل، وهو نائب مصري راحل اشتهر في ثلاثينات القرن الماضي بامتلاكه مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية، وقد اختير قصره لاستضافة المتحف.