رسمت صحيفة الغارديان البريطانية علامات استفهام حول حضور السعودية كضيف شرف في معرض براغ الدولي للكتاب الأسبوع الفائت. مجموعة المقالات المنشورة في موقع الصحيفة البريطانية العريقة بالتزامن مع هذه الاستضافة أثارت عاصفة من الجدل انتقلت إلى صحف ومواقع إلكترونية أخرى حول العالم كما هو متوقع من صحيفة بسعة انتشارها. وقد واجهت كل من الدولة المستضيفة (التشيك) والدولة الضيف (السعودية) حملة واسعة من الانتقادات تصدت التشيك لبعضها في بعض الحوارات بينما التزمت الجهات المنظمة في السعودية إزاءها الصمت.

الأصوات المنتقدة لحضور السعودية كضيف شرف في المعرض انقسمت في مجملها إلى قسمين: قسم يعارضه من حيث المبدأ باعتبار السعودية تمارس نوعاً من الرقابة على الكتابة والنشر، وقسم يعارض من حيث النوعية باعتبارالحضورالسعودي كان أقل من المأمول ولم يحدث الزخم الثقافي المطلوب من (ضيف الشرف). وقد تأرجحت هذه الانتقادات بين التشدد والمرونة كما يليق بالجدليات الثقافية التي لا تنجو غالباً من هيمنة الموقف السياسي والمبدأ الأخلاقي. وقد بدأت مقالة أليس غوثري (نشرت في 16 مايو 2011) هذه السلسلة من الانتقادات متهمة إدارة المعرض باختيارالسعودية كضيف شرف لأسباب ماديّة بحتة ومتهمة السعودية بمحاولة شراء حضورها الثقافي العالمي بالمال.

وقفت أصواتٌ عدة ضد هذا الموقف المتشدد باعتبار أن إقصاء أي دولة من المحافل الثقافية الدولية بحجة سياساتها الرقابية تنقض الهدف من إقامة مثل هذه المحافل الثقافية أصلاً، وهو تقريب وجهات النظر وبناء الجسورالثقافية وإنعاش التثاقف الحضاري. ومتى كانت الدول المؤهلة للمشاركة مستوفية لمعايير متشابهة تناقصت الحاجة إلى مثل هذه الجسور وأصبحت الاستضافات المتبادلة بين هذه الدول في معارض الكتاب أو غيرها أقرب إلى التمثيل الدبلوماسي منها إلى التثاقف الحقيقي. وبالتالي تؤدي هذه الاشتراطات والمواصفات السياسية والرقابية المحددة إلى نخبوية غير مفيدة، تمعن في تكريس الحواجز الثقافية وعزل الشعوب عن بعضها. ولكن الكاتبة أليس غوثري ترى أن إقصاء الدول ذات الآليات الرقابية قد يشكل ضغوطات دولية تدفعها إلى مراجعة سياساتها في الرقابة، وهذا برأيي، صعب الحدوث. ولا أعتقد أن دولة عربية واحدة قد راجعت سياساتها الرقابية بسبب عدم استضافتها كضيف شرف في معرض كتاب دولي. وفي الحقيقة، إن هذا الإقصاء هو عقوبة مزدوجة بحقّ الكتّاب وليس الدولة. فبينما هم يعانون من سلطة الرقيب في بلادهم تفرض عليهم المعارض الدولية عزلة عما هو خارج بلادهم. فيعاقب الكاتب على ذنب ليس ذنبه، بل هو بطبيعة الحال المتضرر الأول منه.

وبما أن الحديث تطرّق إلى الكتّاب فلعلنا ننتقل إلى القسم الآخر من الانتقادات، وهو ما ساقته غوثري في مقالتها على هيئة تساؤلات وجيهة. ففي حين كان الجناح السعودي باذخاً ومليئاً بالمجسمات والصور، إلا أنه - على حد وصف الكاتبة - كان فقيراً بالكتب والكتّاب رغم أنه (معرض كتاب)، وما تم عرضه في المعرض من كتب لم يتجاوز بضعة عناوين (ذكرت الصحف السعودية أنها تجاوزت الألف)، وتزعم الكاتبة أن اثنين منها فقط كانا عنوانين أدبيين. وبقدر ما أختلف مع غوثري في مبدأ عدم استضافة الدول التي لا تمارس الرقابة، فإني لا أجد مدخلاً للاختلاف معها في طريقة التمثيل السعودي في المعرض على افتراض أن وصفها للجناح السعودي كان دقيقاً. وفي الحقيقة أني لا أعرف إلى الآن لماذا تتولى (وزارة التعليم العالي) مسؤولية تمثيل السعودية في معارض الكتاب الدولية بدلاً من (وزارة الثقافة والإعلام)؟ إن مسمى الوزارتين فقط يبدو كافياً لحسم الأدوار هنا ولا ندري عما إذا كان هناك تبرير بيروقراطي وراء إبقاء هذه الوظيفة في حرز وزارة التعليم العالي حتى بعد إنشاء وزارة الثقافة التي ورثت عنها إدارة معارض الكتاب المحلية، فماذا عن الدولية؟

عدة مقالات أخرى نشرت في الغارديان وغيرها اشتركت كلها في التعبير عن الصدمة الجماعية لرواد المعرض عندما اكتشفوا غياب الكتاب السعوديين عن الفعاليات الرسمية، وقد كان النصيب الأكبر من هذه الصدمة للصحفيين الذين استعدوا فعلياً لإجراء حوارات مطولة مع الكاتبين السعوديين اللذين انتزعا جائزة البوكر العربية لسنتين متواليتين ليفاجأوا أن عبده خال ورجاء عالم لم يكونا وحدهما الغائبين بل جميع الكتّاب السعوديين باستثناء الأستاذ عبدالله الناصر الذي ربما كان حاضراً بحكم مسؤولياته الوظيفية كمستشار ثقافي لوزير التعليم العالي، وليس ككاتب مستقل. وإن كان قد حضر بصفته كاتباً، فأين البقية؟

حضر هذا السؤال في مقالة أخرى نشرتها الغارديان أيضاً بتوقيع (ريتشارد لي) و(أليسون فلوود) حيث وجهه الكاتبان إلى مديرة المعرض (دانا كالينوفا) التي تملصت من المسؤولية وألقت بها على وزارة التعليم العالي معبرة عن صدمتها هي أيضاً إزاء عدم تواجد الكتاب السعوديين. وقد ألمحت إلى شبه معارضة من الجانب السعودي لدعوة كتاب سعوديين حتى عندما حاولت إدارة المعرض دعوتهم بشكل شخصيّ وعلى نفقة التشيك. وبغض النظر عن دقة روايتها أو من يتحمل مسؤولية هذا الغياب، فقد اتفق أغلب المعلقين من صحفيين وزوار - حسب ما جاء في المقالات والتعليقات - على أنها استضافة مخلة ومنقوصة لهذا السبب. وأن السعوديين لم يحضروا للمشاركة الجادة في معرض كتاب بل لممارسة تسويق غير احترافيّ في سياق غير منطبق.

من السهل تجاوز النقد الخارجي عندما يكون منصباً على هيكل من القيم السياسية والثقافية التي يصعب تغييرها جذرياً كالرقابة ومنع الكتب، ولكن من الصعوبة أن "نبتلع" نقداً خارجياً لاذعاً عندما يكون مبرراً فعلاً. فقياساً على الميزانيات المخصصة لمثل هذه المشاركات كان من السهل أن نتلافى هذا القصور ونحقق حضوراً أفضل من هذا الحضور الباهت الذي يكرر فعالياته وكأنه يقرؤها من كتيب تشغيل لا يتغيّر في أحد أدراج الوزارة. فلا عيب أفدح من (نقص القادرين على التمامِ) كما يقول المتنبي. إن تكلفة مجسم واحد من المجسمات التي تم نقلها من الرياض إلى براغ لعرضها على الزوار تكفي لدعوة عدة كتاب سعوديين ومنحهم فرصة الاندماج مع زوار المعرض كما كان متوقعا من (ضيف شرف)، وإن آلاف الكتب التي جعلت معارض الكتاب السعودية من أكبرها على مستوى العالم العربي مؤخراً جديرة بأن تملأ الأرفف في براغ بدلاً من أكياس التمر والتذكارات البلاستيكية. ولو أن وزارة التعليم العالي انتبهت لهذا الجانب المهم جداً من فعاليات الاستضافة لربما جنّبت السعودية مثل هذه العاصفة النقدية الحادة، وأصبح موقفنا أقوى في الدفاع عن أنفسنا وقد جلبنا كتابنا السعوديين لتمثيل بلدهم، وهم بالتأكيد سيمثلونه أفضل ممن وصفتهم غوثري في مقالتها: الشقراوات اللواتي يرتدين عباءات سعودية!